الأخبار نُشر

أمام ربط القطاع الخاص اليمني بالعالم: القدرة على التنافسية

الاستثمار : هشام المحيا

بعد 10 سنوات من الصراع، ما يزال القطاع الخاص اليمني يثبت قدرته على الصمود ومواجهة التحديات الكبيرة التي تتسع رقعتها يومًا فآخر بفعل استمرار الحرب وارتفاع حدة الصراع الاقتصادي، لكن -برغم ذلك- يعول على هذا القطاع للعب دور أكبر يتجاوز به الواقع المثخن بالمعوقات ويصل به إلى المأمول منه.

أمام ربط القطاع الخاص اليمني بالعالم: القدرة على التنافسية

حسب تقرير حديث للبنك الدولي "ربط القطاع الخاص اليمني بالعالم"، كان للصراع المستمر منذ عقد، تأثيرات متباينة وفريدة من نوعها على كل قطاع من قطاعات الاقتصاد اليمني المتعددة.

وأوضح التقرير أن الصراع أثر سلبًا على جميع القطاعات تقريبًا، ومنها الإيرادات والتشغيل والإنتاج، ما أعاق المزيد من فرص التنمية وإعادة الاستثمار، غير أن بعض القطاعات أظهرت قدرتها على الصمود، وظل القطاع الخاص بشكل عام يمارس أدوارًا مهمة في مختلف المجالات.

أدوار القطاع الخاص

ساعد القطاع الخاص على الحد من البطالة والتخفيف من حدة الفقر من خلال الحفاظ على فرص العمل خلال الصراع.

ووفقًا لتقرير البنك الدولي، احتفظ القطاع الخاص بالنسبة الأكبر من قوته العاملة باللجوء إلى بعض استراتيجيات التكيف مثل إضافة منتجات وخدمات جديدة أو التكيف مع الوضع المعتاد الجديد، أو تعليق النشاط بشكل جزئي أو تقليل ساعات العمل، أو الانتقال إلى مناطق أخرى.

كما حافظ أيضًا على مستوى التشغيل في شركاته واستوعب نسبة كبيرة من موظفي القطاع العام (69.4%)، مما خفف من تأثير إيقاف صرف رواتبهم.

وشهدت العقود الثلاثة الماضية، أيضًا دورًا بارزًا للقطاع الخاص في تقديم الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والرعاية الصحية.

قبل نشوب الصراع، كان القطاع الخاص يقدم أكثر من 60% من خدمات الرعاية الصحية، كما كان مسؤولًا عن 100% من الإنتاج الزراعي الذي يوفر نحو 20-25% من الاستهلاك الغذائي المحلي، وعلاوة على ذلك، اعتمدت المنظمات الإنسانية على مؤسسات الأعمال اليمنية في توفير الخدمات اللوجستية وتوريد السلع والخدمات الوسيطة، ومنها الإمدادات الطبية الحيوية، وفقا لتقرير البنك الدولي.

التقرير ذاته أشار إلى أن القطاع الخاص أشرف على 899 مدرسة للتعليم الأساسي والثانوي و101 مؤسسة للتعليم العالي يدرس بها 83.177 طالبًا.

وقام القطاع الخاص بتقديم الجانب الأكبر من مساهمته في المساعدات الإنسانية والصحية والإغاثية الطارئة في إطار مسؤوليته المؤسسية والاجتماعية.

وجد مسح استقصائي شمل 53 شركة خاصة صغيرة ومتوسطة وكبيرة الحجم في اليمن، أن 80% منها كانت تشارك في مساعدة المتضررين من الصراع، ومن خلال شبكات غير رسمية تضم العائلات والأصدقاء والجيران، تطورت العديد من مؤسسات الأعمال الخاصة، وأسهمت في حماية السكان.

كما أنشأ القطاع الخاص أيضًا العديد من المؤسسات الخيرية، مثل بنك الطعام اليمني وبنك الدواء اليمني.

كما يؤدي القطاع الخاص اليمني دورًا بالغ الأهمية في تسهيل التوزيع والتخزين والخدمات اللوجستية للجهات الفاعلة في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وبالتالي يسهم في بناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود.

لكن، التقرير لفت الى ان جميع شركات القطاع الخاص لا تحظى بنفس القدر من القدرة على الصمود والازدهار.

مشاكل وتحديات

طبقًا للتقرير، تواجه الشركات ورواد الأعمال في اليمن الكثير من التحديات، منها مشكلات الاقتصاد الكلي، وضعف المؤسسات، وبيئة الأعمال غير المواتية، فضلًا عن مواطن الضعف الهيكلية.

ويوضح التقرير أن القطاع الخاص يواجه مشاكل تتعلق بالهشاشة وعدم كفاية البنية التحتية الداعمة، بما في ذلك ضعف تغطية شبكة الكهرباء، وعدم كفاية شبكات توزيع المياه، وعدم كفاءة خدمات النقل والاتصالات، ويتفاقم هذا الوضع نظرًا لما تعانيه البلاد من غياب السوق المالية القوية والأنشطة الابتكارية، وعدم استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلا في أضيق الحدود.

لكن التقرير يشير إلى أن هيمنة الشركات العائلية ومنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة تؤدي إلى جعل بيئة الأعمال أقل قدرة على مواجهة الصدمات والأزمات مقارنة بالقطاع الرسمي.

القدرة التنافسية

تقرير البنك الدولي سلط الضوء على القطاع التجاري باليمن، وبالأخص عملية الاستيراد والتصدير باعتبارها أحد الأعمدة الرئيسة لصمود القطاع الخاص، وكيف أضعف الصراع الجاري قدرة الشركات على التنافسية.

سرد التقرير العديد من العوامل التي أضعفت قدرة مؤسسات الأعمال على التنافسية، وفي مقدمتها تعطيل سلاسل الإمداد وطرق التجارة، وتضرر أو تدمير الموانئ والطرق وغيرها من مرافق البنية التحتية، وارتفاع تكاليف النقل.

وفقًا للتقرير، تعمل مؤسسات الأعمال الخاصة في اليمن في قطاع الصناعات الخدمية، ومنها تجارة التجزئة والجملة، والضيافة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والإنشاءات والنقل والرعاية الصحية، والتعليم، وغيرها من الخدمات المهنية والحرفية.

يشير التقرير إلى أن 10% فقط من منشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة تعمل في القطاعات الإنتاجية أو "الحقيقية" وقطاعات التبادل التجاري المرتبطة بالبنية التحتية مثل الزراعة وصيد الأسماك والصناعات التحويلية والتعدين والمرافق مثل المياه والطاقة.

ويعمل في قطاع تجارة التجزئة وحده نحو 40% من إجمالي مؤسسات الأعمال الخاصة، يليه العاملون في الخدمات الشخصية والموظفون الإداريون، مثل العاملين في تصفيف الشعر والخياطة وأمانة المكتبات ومتاجر القرطاسية وغيرهم (11.8%)، ومرافق الرعاية الصحية (10.8%)، وتجارة الجملة (8.9%)، والتعليم (5.9%)، والصناعات التحويلية (5.8%)، وأيضًا العاملين، في خدمات الأعمال (964.4%).

وتمثل مؤسسات الأعمال الخاصة كبيرة الحجم أقل من 4% من القطاع الخاص. وتتألف منشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة من منشآت الأعمال الصغرى (46%)، والصغيرة (36%)، والمتوسطة (14%). وتتركز منشآت الأعمال المتوسطة والكبيرة في المحافظات الأربع التالية: العاصمة صنعاء بنسبة 41% و36% على الترتيب، تليها عدن بنسبة 13% و22%، وحضرموت بنسبة 18% و11.6%، وأخيرًا تعز بنسبة 8.1% و11.6%، على الترتيب.

وعلى نحو مماثل، تسببت الظروف الناجمة عن الصراع وما واجهه الموردون من صعوبات إضافية في تمويل التجارة وأنظمة الدفع في انخفاض الواردات من السلع والخدمات. وكان هذا التراجع أكثر من النصف عما كان عليه قبل الصراع، حيث بلغ معدل التراجع التراكمي نحو 50.5% في عام 2020 مقارنة بعام 2014.

القدرة على الصمود

طبقًا للتقرير، أظهرت بعض القطاعات التي تضم شركات كبيرة بشكل رئيسي، قدرة على الصمود، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص خفف من تأثير الانكماش الاقتصادي الذي شهده اليمن في الفترة من 2015 حتى 2019.

وانخفض متوسط إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في القطاع بنسبة 8.9% فقط مقارنة بنسبة 14.7% في القطاع العام، مما حد من انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنحو 11% عام 2019.

ومن أهم قطاعات القطاع الخاص، القطاع المالي (البنوك والمصارف). وبالرغم من التحديات التي تواجه القطاع المصرفي الرسمي، هناك 19 بنكًا تعمل حاليًا في اليمن، وهي: 11 بنكًا تجاريًا، و4 بنوك إسلامية، و4 بنوك للتمويل الأصغر. وهناك بنكان فقط تديرهما الدولة وهما بنك التسليف التعاوني والزراعي والبنك الأهلي اليمني.

كما تؤدي شركات الصرافة دورًا مزدوجًا في تشغيل مؤسسات القطاع الخاص في اليمن، لكن طبيعتها غير الرسمية وغياب الشفافية في معاملاتها، تحد من تطوير قطاع مالي رسمي وشفاف، وفقًا للبنك الدولي.

حدثت زيادة كبيرة في عدد شركات الصرافة المرخصة وغير المرخصة العاملة في اليمن. ففي عام 2014، كان هناك 605 شركات صرافة مرخصة وغير مرخصة. وفي عام 2017، بلغ إجمالي عدد شركات الصرافة أكثر من 1.350 شركة، منها 800 شركة غير مرخصة.

الدور المطلوب لنهوض القطاع الخاص

أدى "تأخر أو تجاهل إصلاحات بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار التي كانت ضرورية لتنمية القطاع الخاص في اليمن -حد توصيف البنك الدولي- إلى خلق ظروف مستحيلة أمام مؤسسات الأعمال المحلية الصغرى والصغيرة والمتوسطة وأنظمة غير مواتية ومقيدة للشركات اليمنية الكبيرة التي تسعى إلى إجراء معاملات تجارية عابرة للحدود".

كما أدت عوامل مماثلة أيضًا إلى تفاقم ضعف المساءلة في القطاع العام وضعف أنظمة الحوكمة، وعلى إثر ذلك، أغفلت الحكومة الفرص المتاحة لتطبيق استراتيجيات الإصلاح.

وفي تقريره "ربط القطاع الخاص اليمني بالعالم" قدم البنك الدولي توصيات عديدة لتنمية القطاع، ومنها زيادة مشاركة القطاع الخاص وشموله في الاقتصاد الرسمي.

واوصى التقرير الحكومة، بمشاركة القطاع الخاص وشموله في الاقتصاد -كأولوية- من خلال تيسير إجراءات تسجيل الشركات ومنح تراخيص مزاولة الأعمال للمنشآت الصغرى والصغيرة والمتوسطة على مستوى الأقاليم والدوائر المحلية والمدن اليمنية.

وشدد على ضرورة الالتزام بالمبادئ الأساسية لسجل الشركات، وإنشاء بنية تحتية مالية أساسية، وإنشاء سجل للضمانات من أجل تحسين إمكانية الحصول على الائتمان وتحقيق الشمول المالي.

كما أوصى بإنشاء سجل مركزي للضمانات، وأهمية تطبيق تمويل المستودعات للمنشآت الزراعية الصغرى والصغيرة والمتوسطة من أجل تعزيز الأمن الغذائي.

تمويل المستودعات هو نوع من تمويل المخزون الذي يتضمن فرضًا تقدمه مؤسسة مالية لشركة أو مصنع أو معمل لتجهيز السلع، وهو أهم شكل من أشكال تمويل النشاط الزراعي والأمن الغذائي.


 

مواضيع ذات صلة :