تقارير اقتصادية نُشر

صناديق التقاعد الأميركية تنافس صناديق الخليج السيادية على صفقات الملكية الخاصة

المنافسة على الصفقات تجبر صناديق التقاعد الأميركية على تغيير استراتيجية تخصيص الأموال

صناديق التقاعد الأميركية تنافس صناديق الخليج السيادية على صفقات الملكية الخاصة

 

احتاج سكوت شان، نائب رئيس الاستثمار في نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا، عامين لإقناع رؤسائه بتخصيص أموال أكثر للاستثمارات المربحة بجانب كبرى شركات الملكية الخاصة حول العالم.

وفي الوقت الذي استغرقه شان للإقناع بحجته، استحوذ مستثمرون أسرع وأكثر فطنة -غالبيتهم من الصناديق السيادية بمنطقة الشرق الأوسط- على أكثر من 38 مليار دولار من تلك الصفقات.

تتراجع صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية، التي كانت لمدة طويلة من بين العملاء الأكثر طلباً على صفقات الاستحواذ، سريعاً أمام الصناديق السيادية الخليجية ذات الأرصدة المالية الهائلة. ينطبق هذا بصفة خاصة على صفقات تُعرف باسم الاستثمارات المشتركة، حيث يلجأ مديرو صناديق استثمارات الملكية الخاصة إلى مستثمرين مفضلين لضخ المزيد من الأموال في عمليات شراء أحادية، دون أن يتكبدوا رسوماً باهظة.

صناديق الخليج

استغلت صناديق سيادية، على غرار جهاز أبوظبي للاستثمار ومبادلة للاستثمار، هذه الفرص، إذ استثمرت مليارات الدولارات للمساعدة في إتمام صفقات ملكية خاصة خلال الأعوام الأخيرة.

تأتي المنافسة المتنامية على مثل هذه الصفقات في وقت تزداد فيه أهميتها لصناديق المعاشات التقاعدية الأميركية لتوفير رسوم الإدارة والمراهنة على جني عوائد أعلى. يقول مسؤولون في صندوق الاستثمار العام إن هذا يغير ديناميكية استثمار صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية.

تأخذ أكبر صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية وضعية الاستعداد، حيث تعيد النظر في عمليات صنع القرار التي جعلتها بطيئة في تقييم الاستثمارات الجديدة وتزيد من تخصيصاتها للاستحواذ على صفقات أكثر من هذه النوعية.

على سبيل المثال، مجلس إدارة صندوق التقاعد للموظفين العموميين بولاية كاليفورنيا المعروف اختصاراً بـ(Calpers)- أكبر صندوق للمعاشات التقاعدية في الولايات المتحدة الأميركية، منح فريقه للاستثمار الإذن لاتخاذ القرارات خلال 48 ساعة إذا تطلب الأمر ذلك. في نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا -يدير 338 مليار دولار تقريباً- أقنع شان مجلس إدارة الصندوق العام الجاري بتعديل برنامج استثمار مشترك قائم ليكون أكثر مرونة واستثمار أموالاً أكبر.

يقول ماركوس فرامبتون، رئيس وحدة الاستثمار في صندوق التقاعد " بيرمنانت ألاسكا فاند" البالغة أصوله 78 مليار دولار: "تحاول صناديق المعاشات التقاعدية بالوقت الراهن التحرك أسرع كثيراً بعد أن باتت الصناديق السيادية الكبرى جزءاً مهماً من المشهد". خصص الصندوق 50 استثماراً مشتركاً على مدى العقد الماضي، خلال السنة المنصرمة قرر توسيع فريقه لاستثمارات الملكية الخاصة لإبرام صفقات أكثر من هذا النوع.

الصناديق الأميركية

على مدى سنوات، استثمرت صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية، التي تُدار نيابة عن المعلمين ورجال الإطفاء وغيرهم من العاملين بالقطاع العام، في صناديق استثمارات الملكية الخاصة بوصفها وسيلة لجني عوائد قوية حيث تتسم بتقلب أقل بالمقارنة مع أسواق الأسهم العامة. يكمن الهدف في فجوة التمويل التي جعلت العديد منها يعاني من نقص عشرات مليارات الدولارات لتغطية رواتب التقاعد المتوقعة.

لكن هذه الفئة من الأصول مرتفعة التكلفة. تنفق بعض صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية سنوياً نصف مليار دولار تقريباً على رسوم إدارة أصول الملكية الخاصة.

خلال الأعوام الأخيرة، عززت صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية الاستثمارات المشتركة للاستثمار في شركات جذابة في محافظ أصول تلك الصناديق البارزة، مع دفع صفر رسوم. زاد، مثلاً، صندوق التقاعد للموظفين العموميين بولاية كاليفورنيا المعروف اختصاراً بـ(Calpers)، بأصول 490 مليار دولار تقريباً، مخصصاته المستهدفة لاستثمارت الملكية الخاصة إلى 17%، ويعزى ذلك جزئياً لتحويل أموال أكثر إلى مثل هذه الاستثمارات المشتركة. استثمر الصندوق 750 مليون دولار في صفقة استحواذ أميركية غير معلنة، ما يُعد أكبر استثمار مشترك له على الإطلاق السنة الماضية فقط.

غالباً ما يرتبط الوصول إلى هذه الصفقات بالالتزامات تجاه حملة التمويل التالية لشركة الملكية الخاصة. في غضون ذلك، يستفيد مديرو صناديق الملكية الخاصة من وجود شريك يمكنه تحمل جزء من المخاطر بالبداية، بدلاً من تحملها بالكامل بأنفسهم.

صناديق الشرق الأوسط

فاقم دخول الصناديق السيادية العملاقة من الشرق الأوسط تعقيد المشهد. ففي الماضي، كانت عملية اتخاذ قرار استثماري من قبل صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية تستغرق أسابيع أو حتى شهوراً، وذلك بسبب الإجراءات المعقدة التي تتضمن لجان استثمار ومراجعة الاستشارين والمعارك السياسية حول إدارة أموال المتقاعدين. على النقيض من ذلك، يمكن لصناديق مثل جهاز أبوظبي للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة السعودي تخصيص مبالغ كبيرة سريعاً، وأحياناً في غضون ساعات.

قال شان خلال مقابلة مع شركة "ماركتس غروب" مارس الماضي حول جهود الصندوق لتحسين استراتيجية الاستثمار المشترك: "كنا نحتاج لتبسيط عمليات المؤسسة بأكملها لنكون أكثر مرونة حتى نتمكن من المنافسة في السوق بسرعة وحجم أي جهة. إذا أردنا القيام باستثمار مشترك، فعلينا التأكد من الاستجابة في نفس اليوم".

وفر نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا 185.5 مليون دولار من الرسوم خلال 2022، ما ساعد على دعم حجة تشان. ويستهدف حالياً الدخول في استثمار مشترك مع كل استثمار في صندوق يدخله.

قال ميندي تيريبيل -متحدث باسم نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا- في رد عبر البريد الإلكتروني على أسئلة بلومبرغ حول الاستثمارات المشتركة لصندوق التقاعد: "يمكن لنظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا الإسراع من عملية اتخاذ قرارات الاستثمار المشترك والقدرة على تخصيص مبالغ ضخمة".

امتنع صندوق التقاعد للموظفين العموميين بولاية كاليفورنيا عن التعليق على الموضوع.

في حين أن صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية ليست جديدة على الاستثمار المشترك، إلا أنها عادة ما تخصص رأس المال بوتيرة أبطأ وبمبالغ أقل كثيراً من نظيراتها من الصناديق السيادية، والتي شهدت نمواً مذهلاً خلال الأعوام الأخيرة.

صناديق الغرب

تدير أكبر 10 صناديق سيادية بالشرق الأوسط مجتمعة أصولاً بقيمة 4.5 تريليون دولار، في مبلغ يقترب من إجمالي ما تديره أكبر 10 صناديق استثمار حكومية في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وكندا معاً. يعني ذلك أنهم حددوا أهدافاً استثمارية كبيرة يجب بلوغها، ما يدفع بدوره بعض الصفقات إلى نطاق مليارات الدولارات.

خلال العام الماضي، لجأت شركات مثل "كيه كيه أر" و"إي كيو تي" و"بروكفيلد" إلى صناديق سيادية في الشرق الأوسط للمساعدة في تمويل صفقات كبيرة. أوضح مارك روان الرئيس التنفيذي لشركة "أبولو غلوبال مانجمنت" خلال فبراير أن أفضل المستثمرين حالياً موجودون في أماكن من بينها سنغافورة والإمارات العربية المتحدة.

ذكر مايكل لازوريك، مدير الاستثمارات الرئيسية للملكية الخاصة في نظام تقاعد المعلمين في ولاية تكساس بأصول قيمتها 200 مليون دولار: "أول من يستقبل مكالمات هاتفية بشأن بعض هذه الصفقات، لا سيما الصفقات الأكبر، هم الأشخاص الذين يمكنهم تحرير شيك بقيمة مليار دولار في صفقة واحدة. وهؤلاء الأشخاص عددهم محدود".

على مدى الثمانية أعوام الماضية، بحسب لازوريك، استحدث مستثمرون -يُعرفون أيضاً بالشركاء المحدودين- والذين يمكنهم الالتزام بدعم صفقة بمبالغ مليونية، مستوى جديداً لأنفسهم. خلال تلك المدة، أجرت بلدان الخليج العربي إصلاحات لسياسات الأعمال وبذلت جهوداً أخرى لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط.

رؤية 2023

ساهم برنامج السعودية رؤية 2030 -أُطلق 2016- في تعزيز استراتيجية الاستثمار السعودية القوية في الشركات الأجنبية. أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رغبته في جعل الاستثمارات مصدراً لإيرادات الحكومة، وليس النفط. بدلاً من تخزين حصة كبيرة من ثروتهم النفطية ضمن أصول آمنة مثل الأموال النقدية والودائع المصرفية وأوراق الديون الأميركية، فإن الصناديق السيادية توجه بصورة متزايدة الأموال للاستثمار بالأسهم والعقارات والبنية التحتية والملكية الخاصة.

باتت هذه الصناديق حالياً تشارك في الاكتتابات العامة بجانب شركات الملكية الخاصة، وتشارك بوقت مبكر للغاية في عملية الاستثمار بالمقارنة بما كان عليه الحال بالماضي. كانت صناديق التقاعد العامة الكندية والأسترالية، علاوة على الصندوقين السياديين في سنغافورة "جي آي سي" (GIC) و"تماسيك" (Temasek ) بطليعة هذا النوع من الاستثمار ويمكنها مواكبة اللاعبين بالشرق الأوسط، وفي بعض الحالات تتعاون معهم عندما يكون الاتفاق ضخماً جداً.

دفع هذا الأمر بعض صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية إلى ما يُسمى بالمستوى الثاني. يتلقون مكالمات هاتفية بوقت لاحق، بعد توقيع الصفقة، بحيث يقومون بشراء جزئية، وهي أجزاء من الاستثمارات التي لا يرغب الشركاء المحدودون الأكبر في الاحتفاظ بها.

لم تلجأ كل شركة استحواذ لإقصاء صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية إلى المستوى الثاني. استجاب البعض عن طريق إنشاء نظام تناوب على من سيحصل على فرصة الوصول إلى الصفقة أولاً. رغم ذلك، وفي أغلب الأحيان، يتعلق الأمر بتوفير المال سريعاً وتجنب الحاجة للتفاوض حول شروط الصفقة مع عدد هائل من المستثمرين.

فحص نافي للجهالة

يقول أحد كبار المستثمرين في صناديق المعاشات التقاعدية أن بعض مديري الأموال يفضلون شريكاً محدوداً يتمتع بمنظومة حوكمة صارمة، إذ يطرح مزيداً من التساؤلات حول الصفقة، وبالتالي يضيف مستوى من الرضا على جدوى الصفقة نفسها. أضاف هذا الشخص، مستشهداً بمحادثات مع شركات الاستثمار وتجاربه في الشراكة مع تلك الجهات، أن العديد من اللاعبين بمنطقة الشرق الأوسط يملكون القدرة على إبرام صفقات ضخمة كبيرة، إلا أن سرعة مثل هذه الصفقات تترك وقتاً أقل لإجراء عملية الفحص النافي للجهالة بالمقارنة مع النهج الذي تتبعه شركات الشراكة المحدودة المتمرسة.

رغم ذلك، بدأت صناديق المعاشات التقاعدية العامة الأميركية -تدير مجتمعة أصولاً تبلغ عدة تريليونات من الدولارات- في الترويج لقدرتها هي الأخرى على التحرك بمرونة وسرعة، وأنهم شركاء موثوقون على المدى الطويل. ما زالت بعض الصناديق الكبرى منها تتنافس بصورة متكافئة مع صناديق في بعض الصفقات.

قال لازوريك: "يصعب بشدة الحصول على مكانة وسط قطاع الملكية الخاصة باعتبارك شريكاً محدوداً، والأهم من ذلك الحفاظ على تلك المكانة. لاستمرار الوصول للاستثمارات المشتركة، يحتاج الشركاء المحدودون في أحيان كثيرة لتقديم تعهدات باحتياطيات ضخمة في عملية جمع التمويل لصندوق التالي لشركة الملكية الخاصة. مع تزايد حجم كل من الصناديق السيادية وأحجام صناديق شركات الاستثمار، فإن عدداً محدوداً من اللاعبين الأميركيين يمكنهم مواكبة ذلك.

صندوق كاليفورنيا

يشير نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا إلى أن سياسته الجديدة تجعله أكثر قدرة على النزال في مواجهة المنافسين، إذ تسمح للصندوق بالالتزام بصفقات ضخمة لا يستطيع مستثمرون أميركيون آخرون دخولها بسبب قيود تخصيص الأموال. يتمثل هدفهم النهائي في المشاركة في قيادة الصفقات، بحيث يستحوذون على ما يصل إلى 49% من ملكية الشركات ويحصولن على مقاعد مراقبين في مجالس الإدارة.

اعترف أكبر صناديق المعاشات التقاعدية الأميركية بصفة خاصة بأنه يراقب نمو الصناديق السيادية على مدى العقد الماضي، ويراقب مدى تأثير ذلك على وصولها إلى مديري الاستثمارات، بحسب أشخاص على اطلاع على تفكيرهم، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم نظراً لمناقشة استراتيجية غير معلنة.

يعتقد بعضهم أن محاولة المنافسة مع صناديق الشرق الأوسط ممارسة عقيمة.

يستثمر صندوق التقاعد للموظفين العموميين بولاية كاليفورنيا ما بين 7.5 إلى 8 مليار دولار سنوياً في الاستثمارات المشتركة، بالمقارنة مع 3 مليارات دولار فقط خلال 2022. قرر السنة الجارية أنه لم يعد يخطط لاستثمار تلك الأموال مع الشركات الرائدة في مجال رأس المال الخاص التي تدير الصفقات الضخمة وتجذب منافسة شديدة مع الصناديق السيادية.

بدلاً من ذلك، سيوجه صندوق التقاعد للموظفين العموميين بولاية كاليفورنيا أمواله إلى شركات إدارة أصول صغيرة وصفقات يمكن أن تكون أقل تنافسية. ويريد الصندوق، كما قال شخص مطلع على الأمر، وضع أمواله حيث يكون لها تأثير ملموس.

اقتصاد الشرق


 

مواضيع ذات صلة :