دراسات نُشر

دراسة تكشف التأثير الديمجرافي للعمالة الأسيوية على التركيبة السكانية الخليجية

 

كشفت دراسة اقتصادية للباحث الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز يسر, أن العمالة الأسيوية الوافدة إلى دول مجلس التعاون الخليجي تعد من أخطر ما يواجهه المجتمع الخليجي..

ودعت الدراسة دول الخليج إلى إحلال العمالة العربية محل العمالة الأسيوية حتى تحافظ على استقرارها وأمنها القومي.

في الدراسة التالية المزيد من المعلومات:

 يعتبر السكان أحد أبرز العوامل في مجال الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية لما له من أثر بالغ على مختلف ميادين التنمية، ومن جانب آخر فإن الدراسات السكانية تبين حجم القلق الذي يسود الكثير من المجتمعات حول الاختلالات في أوضاعها السكانية، خاصة في الدول النامية التي تعاني غالبيتها من النمو السكاني الذي يفوق مواردها الاقتصادية الحالية في ظل الفقر والأمية والتخلف وانتشار الأمراض بين سكانها.

 وإذا كانت الزيادة السكانية تعتبر مشكلة في الدول الفقيرة- خاصة الدول ذات الموارد المحدودة- فإن نقص السكان في بعض الدول يعتبر أيضاً مشكلة، خاصة إذا ما وجدت الثروات والمساحات الشاسعة من الأرض، دون أن يكون فيها عدد كاف من السكان. وينطبق هذا الكلام على بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي تشكو من النقص الشديد في عدد سكانها مقابل الثروات النفطية الهائلة، وفي هذه الحالة يعتبر «الحجم الكبير للسكان يشكل العمود الفقري الذي تعتمد عليه في نشاطها الاقتصادي، ومن ثم في قوتها السياسية، وقد ظلت أهمية عدد السكان كمصدر لقوة الدول أمراً معترفاً به منذ وقت طويل، وما زال حتى اليوم يولد شعوراً بالقوة، والعكس صحيح إذ أن الوحدات السياسية الأقل حجماً تشعر بالضعف والخوف السياسي على مستقبلها، بل يؤدي هذا الخوف إلى خلق نوعاً من عدم الاطمئنان على الدوام ويظل هاجساً يلاحق تلك الوحدات السياسية.

وتختلف التركيبة السكانية في الدول الخليجية عن بقية دول العالم حيث نجد ارتفاعاً كبيراً في نسبة الوافدين من الجنسيات الأجنبية أكثر من الجنسيات العربية، فلقد وصلت هذه النسبة حدوداً عالية مازالت تشكل هاجساً اقتصادياً وأمنياً لدى هذه الدول، وحسب الإحصائيات الخليجية فإن العمالة الوافدة تشكل ما نسبته 90% من القوى العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة و 82%في الكويت و 69% في السعودية و 60% في كل من مملكة البحرين وسلطنة عمان. 

وتعتبر باكستان وسريلانكا والهند وبنجلادش والفلبين من أبرز الدول الأسيوية المصدرة للعمالة في دول الخليج.

لاشك أن اكتشاف النفط وتدفق الموارد المالية على الدول الخليجية قد ساهم في تحسين مستوى المعيشة للفرد من خلال الدخل القومي فالإنسان الخليجي يعتبر دخله من أعلى معدلات الدخل القومي في العالم. 

وبسبب النفط ارتفع معدل النمو السكاني للمواطنين- ولكن ليس بنفس النسب لمعدل النمو السكاني للوافدين، فالزيادة بين المواطنين تعني ارتفاع نسبة المواليد وانخفاض نسبة الوفيات، ونتيجة للتطور الهائل في الميادين المعمارية، فقد سبقت الدول الخليجية الدول العربية في هذه الميادين وكذلك في الجوانب الصحية والتجارية وغيرها من مظاهر الغنى والاستهلاك المفرط، حيث زاد معدل الاستيراد للفرد في الدول الخليجية بحيث أصبح من أعلى المستويات في العالم. 

وتتمثل المشكلة الديمجرافية في الدول الخليجية من خلال الإحصائيات التي أشرنا إليها من الوافدين أن النمو السكاني للوافدين تجاوز الحدود المقبولة من الوافدين دولياً لدرجة الإخلال الكبير في التركيبة السكانية الإجمالية للدول بحيث أصبح المواطنون أقلية في دولهم «ولقد وجد أن الدولة التي تعتمد على مواطنيها بحيث لا يزيد عدد الوافدين فيها عن (10-15%) من جملة السكان، هي الدولة التي يمكنها أن تحقق استثمارات بشرية داعمة للتنمية الشاملة من خلال التعليم. 

إن الاعتماد على توافد أعداد كبيرة من الوافدين على مختلف مستويات التأهيل والمهارات للعمل في القطاعين الحكومي والخاص في الدول الخليجية جاءت نتيجة النقص في أعداد القوى العاملة الوطنية المؤهلة والمدربة للعمل في شتى المجالات، ومما ساعد أيضاً على ارتفاع أعداد الوافدين سهولة الاستقدام والنقل السريع والوفرة المالية ورخص أجورهم. 

وسبب ذلك بجانب الحاجة إلى هذه العمالة كذلك عدم وجود «خطة جادة للعمالة الوطنية اللازمة لمختلف الميادين التنموية وضعف مواجهة عزوف المواطنين من الانخراط في الأعمال اليدوية وإغفال التخطيط من أجل توفير مهارات تقنية وحرفية مطلوبة بإلحاح، وبالمقابل زاد إقبال المواطنين على الوظائف المكتبية والإدارية مما أدى إلى تضخمها وتفاقم مشكلاتها وتدني إنتاجيتها.

 والأهم في قضية النمو السكاني من الوافدين –غير العرب- والذي تجاوز الحدود المقبولة أنه أصبح يمثل خطراً متعاظماً لهذه الدول.

المخاطر المترتبة على الاختلالات السكانية في دول مجلس التعاون الخليجي: 

لقد بلغ عدد المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي ما مجموعه (17)مليون عامل وتستأثر العمالة الآسيوية بأسواق الخليج، بينما العمالة العربية لا تتجاوز 11%، ولأكثر من عقدين من الزمن، فقد اختل التوازن السكاني في هذه البلدان إلى نسب مئوية مخيفة- حيث أن ذلك الاختلال السكاني يبدو في معظمه غير مقبول سياسي واقتصادي وثقافي وأمني – كما سيتضح ذلك من خلال الآراء الرسمية والأكاديمية والشعبية. 

إن مخاطر تلك العمالة تبدو جسيمة وخاصة في حالة استثمارها من قبل القوى الطامعة في ثروات دول الخليج، إذ أن الإعلام العالمي اليوم يستطيع  توجيه برامجه الفضائية لإثارة تلك (الأكثرية) وتحريضها ضد السكان الأصليين وضد الأنظمة السياسية في ظل اتساع دائرة العنف والإرهاب في بعض دول المجلس.

إن مشكلة العمالة الوافدة بهذه الأعداد الكبيرة قد أثرت على البنية السكانية في هذه الدول والذي يتبين منه أنه فريد ومختلف ليس له نظير في الأوضاع الدولية الأخرى لذلك فهو يشكل معضلة كبرى على المدى القريب والبعيد، إنه خلل ملحوظ في التركيبة السكانية عند المقارنة بين عدد مواطني الدول الخليجية الذي بلغ في مجموعه (33)مليوناً وبين الوافدين الذي بلغ في مجموعه (17) مليوناً.

ويشير د. باقر النجار إلى العواقب السياسية للهجرة الأجنبية إلى الأقطار  العربية الخليجية بقوله: إن آثار التدفق الكبير والمتزايد للعمالة الآسيوية قد أقلق الكثير من المراقبين والدارسين لظاهرة الهجرة في منطقة الخليج، واعتبرت أحد مؤشرات بداية أفول الهوية القومية لهذه المنطقة، وتذهب وجهة النظر هذه إلى الاعتقاد أن عدم تجانس المجتمع الآسيوي الوافد عرقياً ودينياً وربما مصلحياً بالإضافة إلى كثرته العددية وتنافره أحياناً، يشكل عنصر عدم استقرار له آثاره السياسية مما ينتج عنه اضطرابات سياسية عديدة، فهذه الجماعات كما تشير إلى ذلك بعض الشواهد العيانية، توفر بيئة خصبة للأمراض الاجتماعية، بل لأعمال التخريب بتحريض من قوى خارجية فتستغل تلك الأعمال لتدخل قوى أجنبية، وربما بلغت التدخل العسكري بحجة حماية جالياتها وحماية مصالحها، وقد لا تقتصر الخطورة على ذلك، حيث أن المستقبل لم يعد بعيداً عن المخاطر في ظل النمو المتزايد لأجيال مستوطنة من العمالة الآسيوية.

أما الدكتور إيهاب محمد عيد من جامعة الملك سعود ، فيشير في بحث له عن أثر العمالة الآسيوية في التغير الاجتماعي في الدول العربية، بأنه وفي ظل هذا الكم الهائل من العمالة الآسيوية في دول مجلس التعاون الخليجي لا بد أن يرافقها الكثير من المشاكل في جوانب عديدة والتي قد تشكل (قنبلة موقوتة) يتفجر من خلالها الوضع في أي وقت. ومن هذه المشاكل: السياسية ، والأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية.

ويضيف عبد الملك التميمي كذلك «إن هذه الأعداد تفرز أجيالاً من المهاجرين الذين يتحولون بمرور الوقت من مستوطنين إلى متوطنين، لهم أوضاعهم الاجتماعية الخاصة بهم التي تتحول إلى حركات سياسية تعبر عن فكرها وطموحاتها ومطالبها، ومن الطبيعي أن يلقى أي تحرك من هذا النوع العطف والتأييد من حكومات تلك الجاليات ودولها.

هذا الواقع السكاني الغريب حيث نجد المواطنين أقلية في بلدانهم لهُ بطبيعة الحال انعكاسات سيئة على الهوية، خاصة أن هذه الفئات المهاجرة تختلف ثقافياً ولغوياً ودينياً عن أبناء هذه البلدان، ومن جهة أخرى فإن هذه الحالة ستؤثر اقتصادياً وخدمياً، حيث تستهلك معظم الخدمات، وتستهلك الاقتصاد الوطني فعدد "العمالة الوافدة في السعودية عام 2007 كانت نحو (4.97) مليون عامل، يقومون بتحويل ما يقارب (60) مليار ريال سنوياً إلى بلدانهم، وبكل تأكيد فإن الدول الخليجية الأخرى هي عرضة لتحويل أموالها من قبل العمالة الوافدة، مما يضعف مواردها محدثاً حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني. 

وإذا ما اعتبرنا هذه الحالة- الاستثنائية- في دول الخليج أن العمالة الوافدة تجلب ثقافات وعادات قد تكون مفيدة للبلدان وإذا كان الانفتاح الثقافي قضية مهمة لكل مجتمع، والنقل الثقافي أمراً مرغوباً فيه فإن المحاذير واجبة في عدم نسخ أو زرع ثقافات أجنبية. 

ويشير يعقوب الشراح أن الثقافات لا تستورد لكي تحل محلها ما هو قائم من ثقافات بحجة أنها ثقافات متطورة.... كما ليس من المنطق والمقبول اجتماعياً تقليد ثقافات أخرى، فلابد التأكيد على الثقافات القومية دون إغلاق الحدود الثقافية وحجر تبادل الأفكار والتجارب والإنجازات، إن أكثر ما يشغل بال المثقفين ويقلق جانب كبير من المجتمعات والحكومات المجاورة لدول الخليج في أن الثقافة العربية الإسلامية في هذه البلدان تتعرض وبشكل متسارع إلى المسخ اللغوي والديني. 

فهذا باقر النجار يشير إلى العواقب الثقافية للهجرة الأجنبية في دول الخليج بقوله: ينتاب البعض جانب من الخوف حول الازدياد المستمر للعمل الآسيوي قد أخذ يؤثر بشكل ملحوظ على مستوى أداء اللغة العربية في هذه البلدان، كما باتت بعض اللهجات الهندية- على سبيل المثال- أكثر انتشاراً واستخداماً من اللغة العربية.

ومن وجهة نظر سياسية فإن الاتجاه العالمي نحو حقوق الإنسان هو تجنيس المهاجرين وفق ما تنادي به المنظمات الدولية في إطار تطبيقها للعولمة «ويتزامن ذلك مع الطلب الرسمي الذي قدمه أحد الوزراء الهنود للمسئولين في مملكة البحرين في مارس 2009م، الذي يتضمن منح الجنسية البحرينية للجالية الهندية العاملة في البحرين.

وهذه الكثرة من العمالة الآسيوية جسدت الاغتراب في هذه المنطقة العربية كأننا لم نكتف بالانسحاق والذي نعيشه أمام النموذج الغربي... ففتحنا الأبواب إلى عناصر إضافية تسهم في تعميق هذا الاغتراب وتشويه الثقافة العربية.

ولا يقف التأثير عند حدود اللغة، إنما يمتد ليؤثر في محتوى وطبيعة التنشئة الاجتماعية، وذلك بفعل الانتشار الكبير للمربيات الأجنبيات، إذ تذهب الدراسات التي أجريت في كل من قطر والكويت والبحرين والبلدان الخليجية حول تأثير المربيات الأجنبيات على الطفل، حيث تشير هذه الدراسات إلى الاعتقاد أن الاستخدام الكبير للمربيات الآسيويات قد ساهم في انتقال قيم أخلاقية غير مستحسنة وفي إحداث شرخ في بنيان العائلة الخليجية وفي تطعيم الطفل بثقافة غير الثقافة العربية.

وقد شخصت الباحثة نورة بنت محمد في دراستها حول تأثير العمالة الأجنبية «بأن تأثير المربيات الأجنبيات على المجتمع الخليجي يمتد إلى الأجيال الجديدة التي اضمحلت لديها الهوية القومية فضلاً عن ظهور شكل جديد من الهوية الهجينية .. وكذلك فإن الناشئة في أحضان المربيات يضعف لديهم التحصين الذاتي أو المناعة الدينية التي يكتسبها الأطفال في حال نشأتهم في بيئة غير إسلامية سليمة، لذا فهم يقلدون المربيات في طقوس ديانتهن أو قد تعمد المربيات إلى تعليمهم ذلك خاصة في ظل غياب الرقيب من أهل الطفل.

وحيث أن المجتمعات في هذه الدول تميل نحو الثقافات الأخرى على حساب الثقافة المحلية إنما يعني الاضطرابات في القيم وفي مكانة الأسرة وتماسكها الاجتماعي والنفسي، والتي تؤثر بلا شك على تماسك المجتمع ووحدته.

وما يجعلنا أكثر خوفاً- كباحثين وسياسيين ومجتمعات مجاورة لهذه الدول أن الثقافات الموجودة والقادمة مع العمالة الوافدة سيكتب لها الاستمرارية حتى بعد رحيل أصحابها «ومن المعروف أن الثقافة لها استمراريتها ولا تتوقف عند مرحلة زمنية أو في بيئة جغرافية معينة، لهذا فالثقافة تستمر بعد موت الإنسان وتنتقل من جيل إلى آخر، لأن الثقافة لصيقة بكل فرد ومجتمع تميزه عن غيره. ولعل أكبر تحد تواجهه اللغة العربية في دول الخليج هو في طريقة اللحن والخلط للمتحدث العربي محاولاً توصيل الأفكار والمعلومات بتكسير قواعد اللغة العربية، كل ذلك في سبيل إفهام الآخرين، ومن المؤسف أن الواقع يشير إلى أن بعض المتحدثين الوطنيين- يتكلمون بلغات ولهجات العمالة الوافدة-«وقد أشارت دراسة للأكاديمي الإماراتي د. سعيد هارب إلى عدم إجادة أبناء الخليج للغة العربية وخاصة في المراحل المبكرة من طفولتهم وأرجعت  ذلك إلى خروجهم من بيئات تعتمد على المربيات كعنصر أساسي لتربية الأطفال، والدراسة تذكر نسباً مفزعة حيث تؤكد أن 80% من أبناء الخليج يتعثرون في القراءة و 75% يستخدمون اللغة الإنجليزية في تعاملاتهم فيما يخطئ 95% منهم في اللغة العربية.

وفي وضع كهذا سيؤدي إلى إحداث هزات عنيفة لدى المجتمعات تبعدها عن روح المواطنة التي ستؤدي بكل تأكيد إلى مشاكل أكبر كتلك التي تتعلق بمفهوم الانتماء، وأن مفهوم الانتماء يحمل في طياته مدى الالتزام والتمسك بالقيم والعادات والأعراف والأخلاق الحميدة.

إن وجود العمالة الوافدة قد أسهم بشكل واضح في جلب أخلاقيات لم تكن موجودة في المنطقة، فهذه الباحثة [نورة بنت محمد] تشير إلى أن «زيادة نسبة الجريمة المنظمة يرجع إلى العمالة الوافدة كمصدر أساسي مستندة في ذلك إلى آراء بعض الصحفيين والمحامين بأن جرائم القوادة والعُهر هي في طليعة جرائم العمالة الوافدة المتعددة ومنها أيضاً ترويج المخدرات والخمور والسرقة والنصب والاحتيال.


 

مواضيع ذات صلة :