دراسات نُشر

دراسة: بروز حاجة ملحة لقرار يحسم التوسع في تطبيق الوعد في التحوط بالأسواق العالمية

 

كشفت دراسة صدرت حديثا، عن حجم الحاجة لقرارات مجمعية تحسم التوسع في تطبيق الوعد في التحوط في الأسواق العالمية، وأعمال الخزينة، والمعاوضة عليه.

وتوقعت الدراسة بأن يحدث توسع كبير، لاستخدام الوعد الملزم في المنتجات المالية في غضون الأعوام المقبلة، والوعود المركبة وتواردها في منتج واحد.

كما توقعت بروز منحى جديد في عالم المصرفية الإسلامية، من خلال الاعتياض عن الوعد الملزم في المنتجات المصرفية، مشيرة إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسات فقهية دقيقة وقرارات مجمعية، تبين مدى جواز الاعتياض عن الوعد الملزم قبل التوسع فيه.

وأوصت الدراسة التي جاءت تحت عنوان «الوعد في المصرفية الإسلامية التسلسل التاريخي والتطور المعاصر» بالعناية بموضوع الوعد الملزم، وأحكام الالتزام من حيث الدراسة الفقهية التأصيلية، والعناية بالدراسة الفقهية المتعمقة لتطبيقات الوعد الملزم في المصارف الإسلامية.

وشددت على ضرورة الاهتمام بأمر الهندسة المالية الإسلامية، والتحوط، وحماية رأس المال، بالإضافة إلى العناية بإنشاء وتطوير مراكز الأبحاث المتخصصة في ابتكار وتطوير المنتجات المالية الإسلامية.

وفق الدراسة، فإنه رغم التوسع في الوعد الملزم بأشكال متقاربة، فإنه تم من دون نظر إلى الآثار الفقهية والمقاصد الشرعية يبعد المصرفية الإسلامية عن حقيقتها، مشيرة إلى ظاهرة الوعود المركبة وتواردها في منتج واحد والهياكل المعقدة في التعاقدات المالية.

وعلى غيرها من الدراسات المعاصرة التي صدرت في شأن الوعد والتي كانت تركز على بيع المرابحة للآمر بالشراء والتي تعتبر أشهر المعاملات التي استخدم فيها الوعد، حاولت هذه الدراسة أن تحدد التكييف الفقهي الدقيق للوعد ومكانه الصحيح في المصطلحات الفقهية.

وبالتأمل في حقيقة الوعد وتوصيفه الفقهي، أوضحت الدراسة التي أعدها الباحث الدكتور عبد الله العمراني أستاذ كرسي راشد بن دايل لدراسات الأوقاف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، أن الوعد في عقود المعاوضات يختلف باختلاف صيغة الوعد.

وقالت: «إن كان في صيغة الوعد النص صراحة على أنه غير ملزم، وأنه راجع إلى اختيار الواعد بالمضي في الوعد من عدمه، فلا يجب الوفاء به ديانة، ولا الإلزام به قضاء، ويكون فيه معنى الخيار، والمفاهمة الأولية للعقد». وأضافت الدراسة: «أما إذا كان بصيغة المواعدة الملزمة للطرفين، فهي أشبه بالعقد، فيما إذا كان وعدا ملزما من طرف واحد، فإن الذي يظهر أنه التزام، فهو أحد أسباب الالتزام».

واقترح العمراني أن تكون تسمية الوعد الملزم بالالتزام، لأن هذا برأيه هو المصطلح الفقهي الأقرب لحقيقته، منوها بأن يتم تطوير المنتجات بناء على صورته الحقيقية وآثاره، وذلك عندما يكون بمعنى العقد بمعناه العام بمثابة الإيجاب، طالما اقترن به القبول صار عقدا.

وعرّفت الدراسة الوعد بأنه إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل، وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد، فيما عرّفت المواعدة بأنها عبارة عن إعلان شخصين عن رغبتهما في إنشاء عقد أو إيقاع تصرف في المستقبل تعود آثاره عليهما.

ولفتت إلى أن المواعدة لا تكون إلا من اثنين، وأما الوعد فيكون من طرف واحد، في حين عرّفت الالتزام بإلزام الشخص نفسه ما لم يكن لازما، أو واجبا عليه من قبل، مشيرة إلى أن العهد من أنواع الالتزام، والحق هو موضوع الالتزام.

وعن التسلسل التاريخي للوعد في المعاملات المصرفية الإسلامية، لفتت الدراسة إلى أنه تكلم الفقهاء عن الوعد في باب التبرعات، حيث ذكروا حكم الوفاء به، مبينة أن الراجح هو القول بوجوب الوفاء بالوعد ديانة في الأمور المباحة إلا من عذر، مؤكدة أنه هو الذي تعضده الأدلة، مشيرة إلى أنه من صفات المؤمنين، في حين جاء التحذير والذم لمخلفي وعودهم.

والراجح كذلك وفق الدراسة، أن الوعد المجرد عن أي معنى للالتزام أو التسبب يؤمر بالوفاء به ديانة، ولكنه لا يلزم بتنفيذه قضاء، وأما الوعد على سبب، والذي دخل فيه الموعود بسبب ذلك الوعد، فيجب الإلزام به قضاء إذا ترتب عليه ضرر على الغير رفعا للضرر.

وأشارت إلى أنه بدأت المصارف الإسلامية، من غير استخدام لصيغة الوعد في معاملاتها، مبينة أنها كانت تشتري السلع ثم تقوم ببيعها، وبذلك فهي أشبه بدور التاجر، إضافة للخدمات المصرفية التي تقدمها. وكانت قد رغبت المصارف الإسلامية بتقليل المخاطر، فظهر استعمال صيغة الوعد في المعاوضات المالية، في بيع المرابحة للآمر بالشراء في بدايات المصرفية الإسلامية قبل نحو 35 عاما، ومن هنا بدأ يظهر دور المصرف الإسلامي كوسيط بين التاجر والعميل.

وما لبثت أن شعرت المصارف الإسلامية، بمخاطر تخلف العميل ونكوله عن وعده، فنشأ نقاش واقتراح لإمكانية أن يكون الوعد ملزما لتقليل المخاطر عن المصارف الإسلامية، وأفتت الهيئات الشرعية بجواز أن يكون الوعد ملزما من طرف واحد.

وهذا الرأي وفق الدراسة، استخدم أسلوب التلفيق بين المذاهب الفقهية، وهو الأخذ بمذهب الشافعية في جواز المرابحة للآمر بالشراء، ومذهب المالكية في الإلزام بالوعد مع أن كلا من المذهبين لا يقول بجواز المعاملة بهذه الصفة.

ولزيادة الاطمئنان ولتقليل المخاطر، ظهر ما يسمى إثبات الجدية، وهو مبلغ يؤخذ من الواعد للتأكد من جديته في إتمام المعاملة، ويستوفى منه الأضرار الفعلية التي تلحق بالمصرف من جراء نكول العميل عن وعده.

وبمرور الأيام، تطور عمل المصارف الإسلامية، وبدأت تدخل في الأسواق العالمية، فظهرت العقود المركبة والهياكل المعقدة للتعاقدات المالية، وكان الأسلوب السائد في تطوير تلك المنتجات هو الوعد الملزم. كما ظهر استخدام الوعد الملزم في التحوط في المصارفة وسوق العملات، والتحوط في منتجات الخزينة، والاستثمار.

وقالت الدراسة: «الأصل جواز توارد الوعود في العقد الواحد، ما لم يؤد إلى محرم، أو يترتب عليه محرم، كأن يؤدي التركيب بين الوعدين إلى الربا، أو الغرر، أو الجهالة، أو بيع ما لا يملك، أو بيع الدين بالدين، أو اختلال شرط التقابض في الصرف، أو أكل أموال الناس بالباطل، وغيرها من المحرمات».

ويدخل في ذلك، ما إذا كان الوعدان متضادين في الأحكام والآثار في مثل حالة اجتماع الوعود الملزمة، وهي مختلفة في الشروط والأحكام إذا ترتب على ذلك تضاد في الموجبات والآثار.

ويكون ذلك في مثل حالة توارد الوعود على محل واحد في وقت واحد، وأحكامهما متضادة، فيما يكون على غير ذلك من أنواع التركيب على أصل الإباحة في المعاملات المالية. وعن حكم الإلزام بالوعد في المرابحة للآمر بالشراء، أوضحت الدراسة أن الراجح هو القول بعدم جواز الإلزام بالوعد مطلقا في بيع المرابحة للآمر بالشراء، خاصة إذا كان الإلزام للعميل، لأنه يكون في معنى المواعدة الملزمة التي هي بمثابة العقد.

ويدخل في هذا الحكم ما يترتب عليه القول بالإلزام من محاذير، تتمثل في الواقع في النهي عن بيع ما لا يملك، والحكم نفسه ينطبق في حالة يتم تحقيق المصالح المذكورة، بطرق مختلفة دون الحاجة إلى الإلزام بالوعد.

أما بالنسبة للضمانات التي تكفل عدم النكول في الوعد، فإنه إذا طلب الموعود من الواعد ضمانات معينة تكفل له عدم نكوله عن الوعد، أو التعويض عن الضرر عند حصوله، مثل أن يطلب منه ضمان جدية، فإنه يجوز أخذ ضمان جدية في الوعد الملزم. وهذا المبلغ وفق الدراسة، يعتبر أمانة لدى الموعود، مبينة أن الهدف منه التأكد من القدرة المالية للواعد، والتعويض منه عند حصول ضرر فعلي بالضوابط الشرعية، مشيرة إلى أنه لا يسمى عربونا ولا يأخذ حكمه. وزادت أنه إذا نكل الواعد عن الوعد، فإن الموعود لا يتملك الضمان، لأنه ملك للواعد، ذلك أن الموعود قبضه على سبيل الأمانة لحفظ حقوقه، عند حصول ضرر فعلي بسبب الوعد، وعلى ذلك ينحصر حقه في استقطاع ما يساوي الضرر الفعلي فقط، ويرجع الباقي للواعد.

وفي حال باع الموعود السلعة لطرف ثالث نتيجة لنكول الواعد، وربح فيها، فإن الواعد لا يستحق الواعد شيئا من الربح، مؤكدة أن الشريعة لم تجعل الوعد سببا لانتقال الملك.

وعلى هذا فإن الواعد وفق الدراسة، لا علاقة له بالسلعة حتى يشتريها من الموعود، مبينة أنه في حالة نكل الواعد عن وعده وباع الموعود السلعة لطرف آخر وربح فيها، فإن الناكل لا يستحق شيئا من الربح، ويكون الربح كله للموعود مالك السلعة، والنماء مستحق بالملك، بناء على أن الخراج بالضمان.

كذلك لا يحق للموعود استخدام الضمان المالي كجزء من الثمن لشراء السلعة، مبينة أنه في حالة كان هذا التصرف ممنوعا، فإنه يجري الحكم على ما بعده، وما يترتب عليه.

 
الشرق الأوسط

 

مواضيع ذات صلة :