اقتصاد يمني نُشر

مسيرة معالجة الاختلالات الهيكلية والوظيفية في اليمن

Image باستكمال وزارة الخدمة المدنية لتطبيق نظام البصمة والصورة ـ المتوقع الانتهاء منه
بنهاية العام الجاري ـ تكون الوزارة قطعت شوطا كبيرا في إنهاء ظاهرة الازدواج الوظيفي التي مثلت واحدة من أهم بؤر الفساد الإداري خلال السنوات الماضية وكبدت خزينة الدولة مبالغ باهظة.
وبحسب آخر النتائج، فقد بلغت نسبة الإنجاز في مشروع البصمة والصورة في الجهاز الإداري للدولة حتى مطلع العام الجاري 98 % والسلطة القضائية 98.4%، والأمن 33.3 %، والدفاع 33.6 %.
 وتعكس هذه الخطوة وغيرها من المعالجات توجهات الحكومة الجادة لمواصلة تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والإداري الذي تبنته اليمن منذ عام 1995م.
حيث تسعى الحكومة من خلال برنامج الإصلاح الإداري الشامل في كافة أجهزة ومرافق الدولة، إلى بناء نظام حديث للإدارة العامة وجهاز إداري فاعل قادر على تقديم الخدمات بكفاءة عالية، يحقق شمول وعدالة الخدمات وتبسيط الإجراءات وإخضاع الوظيفة العامة لمبدأ الجدارة، و إيجاد إدارة كفؤة للموارد البشرية والمالية والاستخدام الأمثل للمال العام، وبالتالي توفير البيئة الملائمة لتعزيز تطور القطاع الخاص، والاتجاه نحو اللامركزية.

صعوبات بتطبيق الاصلاح الاداري

 ورغم الصعوبات التي تواجه تطبيق برنامج الإصلاح الإداري الشامل، إلا أن ما تحقق خلال السنوات الماضية ـ بحسب الكثير من المراقبين ـ يمثل قفزة نوعية كون عملية الإصلاح الإداري تطلبت مواجهة السلبيات والضغوط التي خلفتها عملية الإدارة بجهازين إداريين مختلفين وقوانين وأنظمة وسياسات متباينة، قبل تحقيق الوحدة المباركة.
وعملت وزارة الخدمة المدنية على مواجهة السلبيات التي رافقت عملية دمج الجهاز الإداري للدولة، وأبرزها تضخم الكادر الوظيفي الذي نتج عنه تراجع مستوى الأداء.

وبهذا الخصوص،أنشأت الوزارة صندوق الخدمة المدنية والذي صدر قرار إنشائه سنة 2004م وبدأ نشاطه الفعلي عام 2006م لترشيد الجهاز الوظيفي كمحور أساسي في عملية الإصلاح والتطوير الإداري الجاري تنفيذه في إطار إستراتيجية تحديث الخدمة المدنية.
حيث عمل الصندوق على تحديد الموظفين الزائدين عن حاجة وحدات الخدمة العامة وترتيب أوضاعهم وتشجيعهم على ترك الوظيفة العامة من خلال نظام التقاعد المبكر والتعويضات المالية المعتمدة بموجب قانون إنشاء الصندوق.
وتمكن الصندوق من تخفيض الموظفين الفائضين وتحقيق نتائج إيجابية على صعيد إصلاح إدارة الموارد البشرية والإدارية والمالية وتعزيز فرص نجاح ترشيد الجهاز الحكومي بمكوناته التنظيمية والإدارية والوظيفية مع التأكيد على الدور الإنساني الذي يقدمه الصندوق الذي لا يقل أهمية عن وظيفة التخفيض.
وقد بلغ عدد الموظفين الفائضين الذين تم معالجة أوضاعها من قبل الصندوق نحو 12 ألف و497 موظف من إجمالي العمالة الفائضة المحالة إليه والبالغة 14 ألف و143 موظف خلال الفترة من عام2006م وحتى نهاية أغسطس 2008م.
ورغم أن معالجة أوضاع العمالة الفائضة المحالة من وحدات الإدارة العامة للدولة قد كلفت الصندوق أكثر من ثلاثة مليارات و 376 مليون ريال، إلا أن منافع التخفيض سواءً على صعيد برنامج الإصلاح الإداري أو الموازنة العامة للدولة كبيرة جدا.
وتتمثل تلك المنافع في تحقيق وفورات مالية نتيجة لتخفيض فاتورة مرتبات الموظفين الفائضين تقدر بـ 3 مليار و517 مليون ريال سنويا..ًفي حين تصل إجمالي الوفورات حتى بلوغهم أحد الأجلين إلى أكثر من 27 مليار ريال..فيما كان سيكلف بقائهم في الوظيفة العامة حتى بلوغهم أحد الأجلين أكثر من 31 مليار ريال.

معالجة أوضاع الموظفين

حيث قام الصندوق عبر برنامج التخفيض بمعالجة أوضاع 9 ألاف و 814 موظفا من خلال إحالتهم إلى التقاعد المبكر بشراء بقية سنوات خدمتهم من الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والذي كلف الصندوق مليار و371 مليون ريال.
كما تم معالجة أوضاع 693 موظف من خلال حصولهم على مبالغ مالية من الصندوق كتعويض عن بقية سنوات خدمتهم في الوظيفة بإجمالي تعويضات بلغت أكثر من ملياري ريال..
فيما تم ربط المعاشات التقاعدية لـ ألفين و44 موظفاً من بالغي أجل التقاعد المتوفيين بهيئة التأمينات والمعاشات، وإعادة توزيع 500 موظف ممن تنطبق عليهم شروط إعادة التوزيع على الوحدات الإدارية للدولة، في حين يجري حاليا معالجة أوضاع بقية المحالين إلى الصندوق.
ولم تقتصر محاور الإصلاحات الإدارية على تلك المعالجات فقط ،فقد قطعت الوزارة شوطا كبيرا فيما يتعلق بمراجعة القوانين وتطوير النظم والسياسات المتعلقة بإدارة الموارد البشرية ومنها استكمال مراجعة قانون التأمينات والمعاشات وتطبيق نظام التعيين في الوظيفة العامة ووضع أسس وإجراءات التوظيف والنقل والإعادة والتقاعد وتنظيم حركة التنقلات واتخاذ الإجراءات الخاصة بتعديل قانون الخدمة المدنية رقم 19 لسنة 1991م.
وفيما يتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية للموظفين والمتقاعدين استكملت الوزارة المرحلتين الأولى والثانية من الاستراتيجية الوطنية للأجور المرتبات ونقل الموظفين المؤجلين إلى الهيكل العام للأجور والمرتبات.
حيث تم منح الزيادة المستحقة للمرحلتين للموظفين والمتقاعدين لأكثر من 900 ألف موظف في مختلف وحدات الخدمة العامة والسلطة القضائية والدفاع والأمن، فضلاً عن منح بدل طبيعة العمل للعاملين في قطاع التربية والتعليم، والتعليم الفني والصحة بمختلف المحافظات ومراجعة بدل الريف وإصدار قرار من مجلس الوزراء بشأن تصنيف المناطق النائية في الجمهورية لمنح بدل الريف وفقا للتصنيف الجديد.
وتمكنت وزارة الخدمة المدنية في مجال تطوير وتحسين الإدارة ومكافحة الفساد، من إنجاز الكثير من الإجراءات المتعلقة بتبسيط الإجراءات التي تسهل للمواطنين الحصول على المعلومات والخدمات بسهولة ويسر وفي مواعيد زمنية محددة.
ففي هذا الجانب، أعدت الوزارة أدلة الخدمة لعدد ألف و600 خدمة ومراجعة وتطوير إجراءات تقديم الخدمات التي تتصف إجراءاتها بالتعقيد من خلال برنامج التجديد لتطوير الخدمات العامة، كما تم الانتهاء من الإعداد والتجهيز والتنفيذ لعدد تسعة برامج تطويرية في مجال الخدمة المدنية والاتصالات والبريد والبعثات والصحة العامة والطيران المدني والضرائب والجمارك والتأمينات والداخلية (مكاتب خدمة الجمهور) التي تتولى تقديم الخدمات مباشرة إلى الجمهور.

دراسة للتخلي عن بعض الهيئات الحكومية

كما قطعت الوزارة شوطا كبيرا في مراجعة دور وظيفة الدولة بما يكفل إتاحة مجال أوسع لدور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
 حيث انتهت من إعداد الدراسة الخاصة بمراجعة دور ووظيفة الدولة التي تضمنت الأدوار والوظائف التي ستحتفظ بها الحكومة وتوزيعها على السلطتين المركزية والمحلية وتحديد عدد الوزارات والهيئات والمؤسسات وتحديد الأدوار والوظائف التي ستتخلى عنها لصالح القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وتحديد مواصفات الهيكل التنظيمي والوظيفي للدولة.
كما تم الانتهاء من إعادة بناء وهيكلة وزارة الخدمة المدنية والتأمينات ومصلحة الجمارك والضرائب والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارتي الصحة العامة والسكان والشئون الاجتماعية والعمل، إضافة إلى الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد وغيرها من الوزارات والمؤسسات الحكومية.
 وتؤكد تقارير رسمية أن الوزارة تخلصت بشكل كبير من الأسباب المولدة للاختلالات والفساد في الوظيفة العامة من خلال إصدار عدد من القرارات من مجلس الوزراء لوضع الضوابط والقيود الصارمة على عملية التوظيف وتنظيم حركة التنقلات بين الوحدات ومعالجة أوضاع من يستلمون رواتب ولا يشغلون وظيفة.
وفي مجال التدوير الوظيفي في المراكز القيادية والالتزام بمعايير الكفاءة والنزاهة باختيار الموظفين لشغل الوظائف، تمكنت الوزارة من إعداد وتطبيق نظام التعيين في الوظيفة العامة الذي تضمن الأسس والمعايير والمواصفات الخاصة لشغل كل وظيفة وبدأت وزارة الخدمة المدنية في تطبيقه عمليا من خلال قيامها بالإعلان عن مسابقة شغل وظائف الإدارة العليا بديوان عام الوزارة وفقا للهيكل التنظيمي.
وبناءً على النتائج المقدمة من المنظمة العربية للتنمية الإدارية التي تولت عملية اختبار المتقدمين وإجراء المقابلات الشخصية معهم ،قامت الوزارة برفع أسماء المرشحين لشغل الوظائف المتنافس عليها إلى السلطات المختصة لاستكمال إجراءات تعيينهم،حيث صدر قرار رئيس الجمهورية بتعيين ثلاثة وكلاء في الوزارة وقرار مجلس الوزراء بتعيين 16 مدير عام.
وفي مجال تطوير نظم وتقنيات المعلومات صممت الوزارة قاعدة بيانات مركزية ووضع هيكلها الإداري وإعداد النظم والتعليمات الفنية وبناء نظام تحديث البيانات للمطابقة مع قواعد البيانات الرئيسية والفرعية والانتهاء من عملية الربط الشبكي لقاعدة البيانات المركزية مع قواعد البيانات الرئيسية والفرعية وتوفير قاعدة بيانات محدثة عن طالبي العمل الذين بلغو قرابة 200 ألف طالب عمل.
 واتخذت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات فيما يخص تعزيز اللامركزية وتفعيل دور السلطة المحلية،الإجراءات الخاصة باستكمال نقل الصلاحيات لمكاتبها في أمانة العاصمة والمحافظات لتنفيذ كافة المهام المتصلة بشؤون الوظيفة العامة.
غير أن ما تحقق من نجاحات لم يكن يتأتى لولا الخطوات المبكرة التي قامت بها الحكومة لتنفيذ برنامج الإصلاح الإداري الشامل ابتداء من البرنامج الوطني الأول للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، الذي أقره مجلس النواب عام 1991م.
حيث نص البرنامج في تحليله للأوضاع التي كانت قائمة في عام 1991م، على أن عملية توحيد الهيئات والمؤسسات والأجهزة بقوامها في الشطرين قد أدى على تضخم الجهاز الإداري تضخما كبيرا فنشأت وحدات ليس الغرض منها سوى الاستيعاب الوظيفي للكادر القيادي والإداري الذي كان يحتويه النظامان.
وهو ما عكس نفسه آنذاك على الأوضاع المالية لليمن التي كانت تعاني مصاعب واختناقات وخلل هيكلي وعجز في الموازنات وشحة في الموارد وضعف في عطاء القاعدة الإنتاجية ،خاصة عقب انتخابات 1993م، وما أعقبها من تشكيل حكومة ائتلاف وطني وما تلا ذلك من تفاقم الأزمات السياسية التي كان لها دور كبير في التأثير على الإصلاحات الإدارية حتى جاءت حرب صيف 94م، التي رسخت الوحدة، وأكملت عملية دمج المؤسسات وأنهت حالة الازدواج التي كانت قائمة، مما وفر ظروف ملائمة للخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي زادت من تفاقمها تكاليف الحرب التي كانت على حساب التنمية والتطوير.
ومنذ العام 1995 بدأت الحكومة في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل بمواجهة الاختلالات الهيكلية والتنظيمية، الناتجة عن ارتفاع كلفة أداء الجهاز الإداري للدولة وإهدار إمكانات وموارد مادية وبشرية إضافية يمكن الاستفادة منها في جهود ومجالات التنمية المختلفة، ومواجهة تدني مستوى الخدمات المالية التي تقدمها الدولة للمجتمع، وما يترتب على ذلك من إضعاف لمكانة الدولة وتفاعل المجتمع معها ،وما نتج عنه من تهاون في الأداء ساهم في خلق مناخ مناسب لبروز مختلف مظاهر الفساد سواء من حيث توسع ظاهرة الازدواج الوظيفي او التداخل في مهام وأنشطة الوحدات الإدارية.
وهو ما تحقق من خلال تنفيذ استراتيجيات وبرامج تحديث وتطوير الخدمة المدنية ومعالجة الاختلالات الإدارية ،أبرزها إستراتيجية تحديث الخدمة المدنية بهدف إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الحكومية، وإزالة التكرار والتداخل والخدمات غير الأساسية وتعزيز الشفافية في الإجراءات وتحسين مهمة إعداد الميزانية وأنظمة الإدارة المالية، وتحديث وتطوير نظام إدارة الموارد البشرية وإعادة هيكلة نظام التوظيف العام لتأسيس معايير مهنية، إضافة إلى تأسيس رقابة فاعلة حول مستويات التوظيف وإعادة التوزيع أو إنهاء الخدمة.
وتم البدء مباشرة في تنفيذ عدد من المهام الأساسية والأولية لتحديث نظام الإدارة العامة من خلال الشروع في توفير البيانات والمعلومات الأولية عن البناء التنظيمي والوظيفي باتجاه بناء قاعدة بيانات متكاملة لموظفي الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط وتنفيذ أول مسح إحصائي للموظفين والوحدات الإدارية للدولة بقطاعيه العام والمختلط عام 1998م، الذي شمل حوالي 98 %، وبلغت نسبة الشمول العام في بيانات الموظفين المستوفاة في المسح حوالي 97 %. أما في جانب ترشيد عدد الموظفين فتم تطبيق خطة لتطوير القوى العاملة ابتداء من 1999م ـ2008م والتي تضمنت تجديد الهيكل الوظيفي والتركيز على توظيف ذوي المؤهلات الجامعية والتخصصية وتفعيل عمليات الإحالة للتقاعد وتثبيت المتعاقدين اليمنيين، وإحلال العمالة اليمنية محل الأجانب والتوقف عن إبرام أي عقود جديدة باستثناء التعاقد مع غير اليمنيين في حقل التربية والصحة، وحصرها في أضيق الحدود وللمؤهلين في التخصصات غير المتوفرة في اليمن.
وفي مجال تدوير الوظيفة العامة في المراكز القيادية والالتزام بمعايير الكفاءة والنزاهة في اختيار الموظف العام ،قامت الوزارة بإعداد وتطبيق نظام التعيين في الوظيفة العامة والبدء بإعداد نظام تقييم الأداء الوظيفي ونظام توصيف وتصنيف الوظائف وقانون التدوير الوظيفي وقانون الخدمة العامة.



المصدر : سبأ نت


 

مواضيع ذات صلة :