آراء وأقلام نُشر

هل ستظل دبي قثارة الشرق الأوسط..؟

معظم العرب يؤمنون بالقومية العربية و السوق العربية المشتركة والتي  باتت من المصطلحات المستهلكة خاصة على المستوى السياسي مما افقدها محتواة و تاه الطريق من إقدام أبناءها بل و قل حتى التمسك بمفهومها إلى أن بزغ لنا نورا وبصيص أملا مبعث من منطقة الخليج وشبة الجزيرة العربية وأصبحنا  نردد و نفتخر بها عقود طويلة وحلُقت بنا أحلامنا إلى عنان السماء وارتسمت في عقولنا نشوة وحلمنا بقدرة هذه الكيانات  على تحقيق كتل و كيانات اقتصادية من خلال اندماجها معا لتكوين قوة اقتصادية ضاربة ومسموعة ، و خاصة إننا أصبحنا في عصر التكتلات الاقتصادية و أن تأثير
الدول ينتج من قدرتها الاقتصادية على صنع الفارق و التأثير في المحيط الدولي لها و أصبحت الحاجة ملحة لتواجد مثل هذه التكتلات في ظل تهاوى قوى عظمة مثل الاتحاد السوفيتي سابقا و ظهور القطب الأوحد " أمريكا  " كقوة عظمى منفردة و مسيطرة وفرضه الهيمنة على العالم بآسرة و عينة نفسها الواصبة على كافة الشعوب والأجناس ، فانتبهت لذلك دول ارويا فكونت الاتحاد الإروبى رغم اختلاف اللغات والتقاليد و العادات و المذاهب إلا إنها ضربت العرب في مقتل بمقدرتها على الاتحاد في وجهة المارد الجديد و فردة نفسها بقوة على الساحة العالمية كصانعة قرار .
و كنا ولازلنا نحلم بان يتحقق حلمنا كعرب ولو على مستوى دول الخليج بان تصبح هذه المنطقة هي أمل الأمة العربية والإسلامية بما فيها من خصائص مشتركة من الدين و اللغة و العادات والتقاليد فقد حابها الله بمواقعها الفريد حيت تتوسط قلب العالم فان استطاعت هذه الدول العمل متناغمة معا ستمثل لنا أملا في غدا أفضل و ستصبح قوى مؤثر اقتصادية وخاصة أن المولى عز وجل انعم عليها بنعمة البترول والذي كنا نطمح من خلاله أن تحسن بعض هذه الدول استغلاله من خلال العمل على خلق مصادر دخل دائمة و متنوعة تسهم في تقوية الاقتصاد القومي لهذه الدول ، مما سينعكس على
أدائها الاقتصادي،فيخرج من حيز الانفرادية إلى حيز الجماعية و ألتكتليه، ولقد انتهجت بعض دول الخليج نهج متوازي في الاستثمار والانفتاح على العالم الخارجي و البعض منها و خاصة إمارة دبي كان سريع التأثر والولع بكل ما هو غربي و فارتمت في أحضان الغرب  و حاولت إن تفرض نفسها كقوة اقتصادية مؤثر و صانعة قرار سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي و لقد نجحت بالفعل من خلال تركيزها على القطاعات الأكثر تأثير في العالم وهى قطاعات التجارة و الخدمات المالية والمصرفية و السياحة و العقارات ، و المتأمل لهذه القطاعات يجدها قطاعات جميعها سريعة الربح ولكنها عالية المخاطر في نفس الوقت ، فبدأت تعيد صياغة البيئة العربية لها واستطاعة إن تحولها إلى فاتنة و قيثارة الشرق الأوسط و أمل كل محب و طامح إلى السياحة سواء عربي أو اجتبى فانفتحت انفتاح كلى على العالم بكل جوارحها، و أسست حكومة دبي شركة دبي العالمية و بدأت رحلة الإلف ميل فاستطاعت إن تخترق اكبر واعتي الأسواق العالمية و السيطرة على كبريات الشركات العالمية أو الدخول معها في شراكة.
و لمواصلة تحقيق معدلات نمو عالية لجأت إدارة الشركة إلى الاقتراض من عدد من البنوك فارتفعت معدلات النمو أكثر فأكثر وزادت البلونة انتفاخا و الغريب  أن شركة دبي العالمية و حكومتها لم تستفد بأزمة النمور الأسيوية حيث تأثرت هذه الدول بتمويل المشروعات السياحية والفنادق في ذلك الوقت  و كذلك في مصر حيث فرض البنك المركزي المصري على قطاع السياحة المصري في التسعينات حزمة من الإجراءات الوقائية للقروض الخاصة بتمويل الفنادق و القرى السياحية لما يمثل هذا التمويل من تمويل عالي المخاطر نظرا لتأثر قطاع السياحة في مصر بعمليات المتطرفين في ذلك
الوقت فكان التداخل الواضح من قبل البنك المركز في عملية الحد من هذه النوعية من القروض .
فكان يجب على شركة دبي العالمية أو الحكومة التنبه إلى مثل هذه الأزمات لكي تتوخى الحظر و تحاول التنوع في قطاعات الاستثمار و إعادة النظر من سياسة الاستثمار داخل و لكن يبدوا إن دراسة الأزمات المحيطة لم تكن تعنى إدارة دبي العالمية في ذلك الوقت أو أنها لم تلقى بالنا لعملية التصحيح الطبيعية الآتية بلا محالة و التي ظهرت بوادرها في عام 2006 عندما انهارت البورصات في دول الخليج و بعض الدول العربية و لتزايد حجم المشروعات و تكالب على دبي قراصنة الاقتصاد و خاصة تلك الدول  مصدري  التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية و التي تقوم بدول
الوسيط بين الدول و بعضها كثير من الأوقات بمقابل كبير فانفتحت أكثر و أكثر و جاءت أزمة قطاع التكنولوجيا و صمدت دبي نظرا لان حجم استثمارات دبي فيما يبدو في ذلك القطاع كان منخفض و لكن لم تتحمل دبي أن تضرب في قطاع حيوي لها و هو قطاع العقارات و الذي يمثل عصب استثمارات دبي العالمية فبدأت الكيانات الكبرى في الانهيار و التساقط واحدة تلوى الأخرى منذ بداية الأزمة العالمية في 2007م و قد مرت قرابة ثلاثة سنوات و توقع الجميع أن اثأر الأزمة انتهت وان دبي و منطقة الخليج قادرة على اجتياز هذه الأزمة مثل مثيلتها إلا إننا قد نوهنا هنا ومن خلال صفحات
مجلة الاستثمار نت بتاريخ 26/8/2009 في الحوار الذي أجرته معي الزميلة الهام محمد على – مراسلة الاستثمار نت حول استعراض البحث الاقتصادي الذي قدمته في المؤتمر الأول لجمعية التجاريين المصرية بعنوان " الجالية المصرية في مواجهة الأزمة العالمية تحديات و حلول " ، و قد ركز البحث على العمالة المصرية بالخارج و خاصة العاملة بمنطقة الخليج و اثر الأزمة العالمية عليها و قد ذكرت صراحتنا في الرؤية المستقبلية ما يلي " وأرى أن اثأر الأزمة ستكون قاسية على منطقة الخليج والمنطقة العربية خلال عامي 2010 م و 2011 م لذلك يجب على الجميع من الآن التكاتف ضد هذا
الطوفان القادم من كل من الدولة والمؤسسات المهنية و الأهلية و الفرد لتقليل حجم التأثير على الفرد و المجتمع " .
وكما يتضح من استعراضنا سلفا بان هذا هذه الرؤى لم تكن تبنى اعتباطا ولكن بنيت على معطيات و تحليل دقيق للطبيعة الاقتصادية للدول العربية و خاصة منطقة الخليج و قد قسمت خلال هذا البحث الدول العربية من حيث التأثير بالأزمة إلى ثلاثة مستويات فوضعت دول الخليج بالمستوى الأول من حيث التأثير نظرا لارتفاع انفتاحها الاقتصادي عالميا ثم المستوى الثاني وهو المتوسط أو فوق المتوسط و مثل مصر و الأردن و لبنان و الدول ذات الانفتاح المنخفض مثل السودان وليبيا وان حجم تأثير الواقع سيكون أعلى على المستوين الأول و الثاني و سيكون منحصر في المستوى الثالث.
وكما إننا يجب أن ندرك حقيقة هامة بان أيضا سيتباين التأثير بين دول الخليج نفسها حيث إن مستوى التأثر رغم أنهم الأكثر تأثر بين الدول العربية من الأزمة الاقتصادية العالمية إلا أن التأثير فيما بينهم سيكون مقسم إلى أيضا ثلاثة مستويات وهى دول أكثر تأثرا بالأزمة نظرا لاستثمارها في قطاعات عالية التأثر بالأزمة الاقتصادية و منفتحة كليا على الاقتصاد العالمي ومنها ( قطاعات الخدمات المصرفية والمالية و قطاعات التجارة والسياحة و قطاعات العقارات ) حيث أنها جميعا تقع في عمق الأزمة العالمية ومن هذه الدول دولة دبي و البحرين و المستوى الثاني وهو
اقل تأثيرا نظرا لانتهاجها انتهاجا متوازي الانفتاح على العالم مع الحفاظ على أصالة التراث و منها سلطنة عمان ، والمستوى الأقل تأثيرا هي المملكة العربية السعودية ويرجع ذلك إلى سببين إلا وهما انتهاجها نهجا متوازي في عملية الاستثمار و الانفتاح على الخارج و كذلك لعبت العناية الإلهية دورها في الحفاظ على المملكة العربية السعودية و ذلك بعد إحداث الحادي عشر من سبتمبر  2001 حيث أثرت هذه الإحداث على حجم استثمارات السعوديين في ارويا وأمريكية مما جعل البعض منهم يلجا إلى الاستثمار أم في المملكة أو في الدول العربية لذلك نجد إن حجم التأثير
الواقع على الاقتصاد السعودي سيكون الأقل ضمن دول الخليج نظر للسبابين السابقين و الدليل على ذلك ما حدث لشركتي القصيبى و سعد و ما تعرضوا له من عسر مالي نظرا لاحتفاظهم بجزء كبير من استثماراتهم مرتبط بأوربا و أمريكا .
و لا يخفى على احد مدى الحزن الذي تعرضت له كافة الأوساط العربية نظرا لعلاقة ألمواده والألفة بين جميع الشعوب العربية وشعب دبي الحبيبة هذا الشعب الذي دائما تجده في كافة الشدائد فمن خلال هذا المقال اشدد على يدهم جميعا و احمل العادات العربية المتأصلة فينا السبب فدائما تلجا الحكومات العربية إلى تجنب المصارحة في الأزمات فيخدع الشعب ولا يعرف الحقيقة إلا متأخر نظرا لضعف قنوات الاتصال بين الحكومات و الشعوب من ناحية و عدم الشفافية من ناحية أخرى ، و نأمل أن تخرج دبي من هذه الأزمة قوية قادرة على إعادة بناء إستراتجيتها بما يتواكب مع ما تم
استخلاصه من هذه الأزمة فدائما تبنى الأمم و تشتد عودها في الشدائد و الأزمات .

* مستشار مالي و باحث اقتصادي
ahmeedsherif@yahoo.com

 

 


 

مواضيع ذات صلة :