جدل وتحقيقات نُشر

الفقر ينتشر بين 38% من سكان اليمن .. الجوع يهدد أمن واستقرار الشعوب العربية

احتلت اليمن المرتبة الثانية من حيث انتشار الفقر والجوع بعد السودان التي احتلت المرتبة الأولى من بين 20دولة عربية أجريت فيها الدراسات والبحوث بهذا الشأن ...
وذكر تقرير التنمية الإنسانية لعام2009 أن هناك 8 مليون جائع في اليمن ؛ ما بنسبة 38 % من أجمالي السكان نتيجة لانعدام الأمن الغذائي الذي تعاني منه اليمن بشدة ..
وتشير الدراسات والبحوث التي نتج عنها الخبر آنف الذكر .. أن الجوع بات يشكل التهديد الأوسع انتشاراً لأمن الإنسان ، وهو أكبر مصادر الخطر عليه ، فمن دون التغذية الكافية لتمكين الإنسان من أداء وظائف الحياة الأساسية ، لن يشعر المرء بالأمن الشخصي ولن يستطيع ممارسة أيةٍ من القدرات البشرية .
وعلى الرغم من توفر الموارد ، وانخفاض معدلات الجوع في المنطقة العربية مقارنةً بالمناطق الأخرى ، فإننا نشهد ارتفاعاً في نسبة الجوع وسوء التغذية بين هذه الشعوب .
ومع أن ثمة تفاوتاً ملحوظاً بين البلدان العربية في معدلات انتشار الجوع وأرقام الجياع ، فإن وضع المنطقة ككل ينبئ بتباطؤ التقدم في تحقيق الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية قياساً بعام 1990 ، مما يجعلها غير مؤهلة لخفض نسبة الجياع فيها إلى النصف بحلول العام 2015.
يضاف إلى ذلك استمرار رواسب الجوع وسوء التغذية المتراكم من الماضي ، وفي بعض البلدان يقع على كواهل الأطفال (ذو الوزن الناقص ) نصيب غير متوازن من العبء وهم مازالوا يتحملون قسطاً كبيراً من الثمن في أوساط الفقراء الذين يعيشون على دولارين في اليوم ؛ بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 م ، ليدق بذلك ناقوس الخطر الناتج عن الجوع المتسبب في ضياع أمن الإنسان .

ثلاثة أرباع الرضع في المنطقة العربية يقتلهم الجوع
وبالنظر لتأثير الجوع على أمن الإنسان بالنسبة على الصعيد الفردي.. نجد أنه يستهدف الصحة في المقدمة ،
حيث يعوق الجوع النمو الجسماني والعقلي والمعرفي لدى الأطفال ويحد بذلك من قدرتهم على التعلم
والتركيز والحضور المنتظم في المدرسة .
ومن المتعذر معالجة آثار سوء التغذية في فترة الرضاعة ، حتى وإن تحسنت ظروف المعيشة في المستقبل
يبقى الأطفال الذين عانوا سوء التغذية خلال فترة الرضاعة يتحملون الآثار الناجمة عن ذلك ( تقزّم النمو، الهزال ، التخلف العقلي ) فينعكس ذلك على صحتّهم وضياع الفرص لاكتساب المعرفة وكسب الدخل ؛ كما أن الجوع يحوّل أمراض الأطفال القابلة للشفاء أمراضًا قاتلة .
إن سوء التغذية ونقص المغذيات وفيتامينات ( أ ، والزنك ، واليود ، والحديد ) ، يضعفان أجسام الأطفال ، ويضرّان بأجهزة المناعة لديهم ، ما يزيد من مخاطر الوفاة جراء الأمراض المعدية القابلة للشفاء في الأحوال العادية كـ( الزحار والحصبة والملاريا والالتهابات الرئوية ) .
وتدل البيانات المتوافرة لدى ( تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 ) ؛ على أن هذة الأسباب تؤدي إلى نحو ثلاثة أرباع الوفيات بين الرضع في معظم البلدان العربية ، ونصف وفيات الرضع في البلدان " الغنية ".

معاناة المرأة الحامل
الجوع يزيد من مخاطر الحمل ؛ بالنسبة للمرأة الحامل ، ويزيد من معدل الوفيات عند الوضع .
وبحسب الأطباء المتخصصون فإن سوء التغذية عند الحامل يؤدي إلى مضاعفات خلال الولادة ، مثل النزيف أو تسمم الدم ؛ أمّا المواليد الذين تعاني أمهاتهم من الجوع ، فهم يولدون ناقصي الوزن وتتهدّدهم مخاطر الموت خلال فترة الرضاعة ؛ بالإضافة إلى أن هناك مخاطر أخرى قد يتعرض لها أولئك الأطفال ، ومنها (التقزم الجسماني ، وتدني النمو العقلي خلال مرحلة الطفولة ، وانخفاض معدل النشاط والإنتاجية إلى مستوي غير طبيعي خلال فترة المراهقة ).
حيث أن الأنثى التي ولدت ناقصة الوزن قد تصبح نفسها في ذات يوم امرأة حاملاً ، وهذا لو قدر لها أن تعيش فإن مواليدها سيعانون ، على الأرجح، من تأثيرات الجوع ، وما يفاقم مسلسل الجوع ونقص الغذاء الذي يتوالد عندئذ بصورة تلقائية.

إصابة جهاز المناعة بالوهن
أثبتت الدراسات والبحوث الطبية أن الجوع يوهن المجتمع بزيادة معدلات المرض ، والوفيات والعجز ؛ عبر إضعاف جهاز المناعة البشرية ؛ من خلال إضعاف الجسم الجسم على مقاومة الأمراض المعدية كالـ( الزحار والحصبة والملاريا الرئوية الحادة) ، ويزيد من احتمالات الوفاة بسبب الأمراض المتصلة بمرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز) .
وتقول بعض الأبحاث أنه وعندما يزيد من معدل الوفيات يؤثر في الهرم الديمغرافي، الذي يتمثل بإرتفاع " سنوات العمر المصححة باحتساب مدد العجز "، أي مجموع السنوات الضائعة جراء الموت المبكر والمرض والعجز .
وعلى العموم ترتبط بالجوع وسوء التغذية ستة من العوامل العشرة المؤدية إلى ارتفاع معدل هذه السنوات الضائعة ، وهي الهزال ونقص اكتساب البروتين/ الطاقة ، والافتقار إلى اليود والحديد وفيتامين أ .

انخفاض الإنتاجية.. وأعباء مالية
ولأن الجوع يصيب الفقراء العاملين من أفراد المجتمعات ؛ فإن ذلك يساهم في خفض انتاجية العاملين نتيجة الأمراض التي تصيبهم ، أو من خلال تأثرهم بأمراض أسرهم الحوامل من النساء " الجياع " وبأطفالهم ، ما قد يؤثر ذلك سلباً على أعمالهم ..
كما أن الدول تتحمل نفقات مباشرة لمعالجة آثار الجوع كالمضاعفات أثناء الحمل والوضع لدى النساء ، وأمراض الأطفال المعدية " مقص المناعة المكتسبة ( الإيدز )" .
وهذا يجعل الاقتصادات تتكبد الكلفة الغير المباشرة والمترتبة على انخفاض إنتاجية العاملين ، والموت والعجز المبكر والتغييب عن العمل وانخفاض مردود التعليم .

تهديد الأمن والاستقرار
أثبتت الدراسات والبحوث أن تعاظم الجوع يصبح مشكلة مشكلةً جماعية تهدد النظام الاجتماعي والسياسي ؛ فالجياع من الواجهة التاريخية هم الأكثر ميلاً إلى إثارة الشغب ، أو الصدام مع جماعات أخرى ، أو الهجرة إلى مراكز الكثافة الحضرية ، ما يفرض على البنية التحتية فيها مزيداً من الضغط ويسهم في رفع معدل الجريمة ؛ ويتفشى الفساد الصغير في الأجواء التي يضطر فيها الناس إلى فعل أي شيء من أجل لقمة العيش .
وكما هو متوقع ، فإن سوء التغذية والافتقار إلى المغذيات ليس من جملة الأسباب الأساسية وراء الموت المبكر والعجز في الدول المتقدمة ، غير أن المشاكل المتصلة بالتغذية فيها .
ومن هذه المشاكل البدانة الزائدة التي تنتشر بمعدلات وبائية في بعض البلدان المتقدمة ، بما فيها الولايات المتحدة حيث تعد بعد التدخين المسبب الثاني للوفاة التي يمكن تفاديها .

قصور في البلدان العربية
في عام 2000م ، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة " الأهداف الإنمائية للألفية " من ضمنها تخفيض نسبة الفقر والجياع بحلول 2015 م إلى نصف ما كانت علية في العام 1990 .
فما هو حال البلدان العربية في ما يتصل بتحقيق هذا الهدف ..؟
وفقاً لإحصائيات برنامج الأغذية العالمي حول مناطق البلدان النامية ، فإن المنطقة العربية تضم النسبة الأدنى ممن يعانون سوء التغذية قياساً إلى أجمالي السكان .
ولا يتفوق عليها في هذا المضمار غير البلدان الانتقالية في وسط أوربا وبلدان الإتحاد السوفيتي السابق ..غير أن المنطقة العربية هي واحدة من بين المنطقتين الوحيدتين في العالم اللتين شهدتا ارتفاعاً في نسبة من يصيبهم سوء التغذية منذ تسعينات القرن العشرين ؛ إذ تصاعدت هذة النسبة في المنطقة من نحو 19.8 مليون نسمة في الفترة ما بين العامين 1990 و1992 ، إلى 25.5 مليوناً بين العامين 2002 و2004.
كما تغطي بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة المعتمدة خمسة عشر بلداً عربياً من أصل اثنين وعشرين .
و استثني التقرير الصومال والعراق لتأثرهما بالاحتلال أو النزاع المسلح .. فكان من الصعب الحصول على بيانات دقيقة حول الأوضاع الغذائية والصحية فيهما منذ بداية التسعينات حد وصف تقرير التنمية العربية.

25 مليون جائع عربي
يمثل الجياع البالغ عددهم في المنطقة العربية 25.5 مليون شخص ، نحو 10 % من إجمالي عدد السكان
، ويمثل هذا الرقم 3% فقط من عدد الذين يعانون سوء التغذية من إجمالي سكان العالم .
ويعود هذا المستوى المتدني نسبياً مقارنةً بالمناطق الأخرى إلى مستويات الدخل العالية في الدول النفطية ، أو إلى القدرة على شراء الغذاء التي تعززها تحويلات العاملين في الخارج أو سياسات التموين التي ينتهجها بعض الحكومات .

السودان واليمن في المقدمة
بالنسبة إلى البلدان العربية يقيم العدد الأكبر من الجياع ( أي أكثر من 8 ملايين نسمة ) في السودان ،
وهو مسرح للنزاعات الداخلية ويخضع لعقوبات دولية .
ويليه اليمن (8 ملايين) ، وهو من البلدان الأقل نموا ، ويعتمد اعتماداً كبيراً على استيراد الأغذية .
ومن النقاط الأخرى اللافتة أن ثمة شرائح من السكان لا تحصل على ما يكفي من الغذاء في دول غنية مثل والسعودية والكويت و الإمارات العربية المتحدة ، إلا أن الأخيرة إضافة إلى تونس وليبيا يكشف التقرير أن عدد المصابين بسوء التغذية أقل من 2.5 % من إجمالي السكان في فترة 2002_ 2004.
وتقابل ذلك ، بصورة حادة ، الأوضاع في جزر القمر والسودان واليمن التي تعاني معاناة شديدة من انعدام الأمن الغذائي وينتشر فيها الجوع بنسبة 60 %و26% و38% من السكان على التوالي .
وفي بلدان أخرى تتفاوت المعدلات بين 2.5 و4% ، باستثناء الأردن والمغرب ( 6%في كل منهما )،
والكويت (5%) ، وموريتانيا(10 %).
وقال التقرير أنه وبالرغم من غياب الإحصاءات التفصيلية عن معظم البلدان العربية فإن إحدى الدراسات عن اليمن ، وهي الدولة العربية التي تحتل المرتبة الثانية من حيث انتشار قصور الغذاء ، تحدّد بدقة كبيرة الفئات الأكثر تعرضاً لهذه الظاهرة .
وتشمل هذه الفئات العائلات التي تمتلك أو تنفع من قطع صغيرة من الأرض ، أو العائلات التي تعيلها امرأة أو يعمل أفرادها في الزراعة أو يتدنى المستوى التعليمي في ما بينهم .
وتبيّن الدراسة أن العامل الأكثر ارتباطاً بقصور الغذاء هو التعليم ؛ ففي حين أن الأسر التي تغلب عليها الأمية
تمثل أكثر من خمس العائلات التي تعاني الجوع ، فإن هذه النسبة تنخفض إلى ما يقل عن العشر في أوساط الأسر التي تلقى أفرادها تعليماً جامعياً ؛ وربما تعزى هذه الظاهرة عموماً إلى ارتباط الدخل بالتعليم في اليمن

انعدام الأمن الغذائي ليس في اليمن
وعكس ما طرحه تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 حول أن اليمن تعاني من شدة انعدام الأمن الغذائي ، غير أن باحثون ومهتمون مطلعون بأحوال اليمن يؤكدون : أن اليمن لا تعاني من ذلك إطلاقا ، وإنما تعاني من عدم وجود سياسة إرشادية لتنظيم الاستهلاك .. ويتفقون على أن الفقر منتشر في اليمن بصورة كبيرة .. ليس لما ذكره التقرير .. قصور التعليم وعدم وجود التغذية.
وبالرغم من ذلك يؤكد الدارسون والباحثون أن اليمن قادرة على التخلص من الفقر في ظل توفر ثلاثة عوامل رئيسة وهي :-
1- رأس المال الإنتاجي.
2-رأس المال المعرفي .
3-رأس المال الاجتماعي .
ولا يمكن حل مشكلة الفقر إلا باتخاذ تدابير قوية أو مؤثرة من خلال إعادة النظر في الإنفاق الاستثماري ، وهو الجزء الأهم في الموازنة العامة للدولة والاهتمام بالضمان الاجتماعي ..
وإذا كان النمو الاقتصادي واحداً من أهم السياسات الاقتصادية .. وذلك لأنه يعيد الخلاصة المادية للجهود الاقتصادية ، وغير الاقتصادية المبذولة في المجتمع .. وهذا شرطاً أساسياً .. فّإذا لم يتحقق هذا الشرط والنمو الاقتصادي ، فلا يضمن تحسين مستويات المعيشة للمواطنين ، وذلك لأن تحسين معيشة الأفراد ترتبط ارتباطاً وثيقاً في عدالة وتوزيع الثروة على الفرد .
ومما سبق فإن الجياع .. لا من حيث الأرقام المطلقة بل من حيث نسبتها إلى حجم السكان ،أن الجوع لا يشكل
مشكلة إنسانية في 3 من 15 بلداً عربياً قيد الدراسة .

وبالعودة إلى المنطقة العربية ككل فإن الأرقام المتوافرة لا تركز على الصعيد الوطني على العلاقة بين الجوع وبين فئات معينة من السكان في تلك البلدان ، غير أن برنامج الأغذية العالمي يشير إلى أن قصور الغذاء يكون أكثر شيوعاً بين سكان الريف الذين يعانون الفقر ، وبين النساء والأطفال.

 

للحديث بقية..

البطالة تهدد العاملات من النساء

 

مواضيع ذات صلة :