اقتصاد يمني نُشر

بداية العودة للإستثمار في إسبانيا مرة أخرى

Imageبدأت بوادر الانتعاش تعود إلى أسواق العقار الإسبانية خصوصا في مناطق السواحل الجنوبية التي كانت الأشد معاناة أثناء فترة الكساد. وأسهمت بعض التطورات فيما جرى وصفه بأنه «عودة شمس الانتعاش» إلى سوق العقار الإسباني بعد نحو ثلاث سنوات من التراجع.
من أهم العوامل التي دعمت السوق توقع اتخاذ السلطات البلدية في منطقة الأندلس قرارا بإعفاء العقارات المخالفة لقوانين وشروط البناء من الإزالة. ويبلغ عدد هذه العقارات نحو 18 ألف عقار ويملك معظمها مستثمرون أجانب في إسبانيا اتبعوا كل الخطوات القانونية ولكنهم كانوا ضحايا عمليات فساد من مجلس مدينة ماربيا، التي كان بعض الأعضاء فيه يتلقون رشاوى من شركات تطوير العقار لقاء إصدار تراخيص بناء مزورة في مناطق محميات طبيعية وقريبا من الشواطئ، في مخالفة صريحة لقوانين البيئة الإسبانية.
وكان لهدم بعض العقارات التي يملكها بريطانيون آثار مدمرة على الثقة في السوق الإسباني الذي شهد انسحابا منظما من الأجانب وانهيارات سعرية متكررة.
وبعد تفكيك مجلس مدينة ماربيا عقب الفضيحة وسجن بعض الأعضاء فيه في عام 2006، ظلت الأوساط القانونية الإسبانية تبحث عن حل مناسب للأزمة لتحقيق التوازن بين احترام القانون واستعادة الثقة في سوق العقار الإسباني.

                                                           القانون الإسبانى يتمسك بالحفاظ على البيئه
ويشترط القانون الإسباني للحفاظ على البيئة، الذي يعود تاريخه إلى عام 1988، منع البناء على السواحل لمسافة مائة متر من أعلى نقطة يصلها المد البحري، ولذلك فإن أي عقارات ساحلية بنيت في العشرين عاما الأخيرة ضمن هذه المسافة اعتبرت غير قانونية.
وما يزيد الأمر تعقيدا أن العديد من العقارات المخالفة التي بنيت بعد صدور القانون كانت بموافقة رسمية من مجالس المدن وعدم ممانعة من الحكومات الإقليمية، بشهادات مزورة.
 وتخضع القضية في الوقت الحاضر للكثير من المناقشات العلنية على المستوى الحكومي والشعبي في إسبانيا. وتطالب جهات قانونية في إسبانيا بالعدالة والتعويض للملاك المتضررين خصوصا في حالات الهدم العشوائي التي جرت بعد تطبيق القوانين بأثر رجعي، في حالات كان فيها شراء العقارات بنوايا سليمة من المستثمرين.
وهناك مكاتب قانونية تقدم الاستشارات القانونية للمتضررين، وتساعد المستثمرين المتضررين على استعادة حقوقهم. ويقول رئيس مكتب استشاري إن المذنبين في هذا الوضع هم مجالس المدن والمحامون، وهي الجهات التي خدعت المستثمرين ولم تقدم لهم المشورة القانونية السليمة. وتوجد حاليا جماعات ضغط بين المقيمين في إسبانيا للدفاع عن حقوق المستثمرين في العقار، ومعارضة تطبيق قوانين غامضة عليهم تدعي الجهات الرسمية أنهم خالفوها بينما يؤكد المحامون أن المستثمرين لم يكونوا يعلمون بها أصلا. وتوصل مجلس منطقة الأندلس إلى قرارات من شأنها عدم معاقبة المستثمرين الأجانب الذين اشتروا عقارات بنوايا طيبة، ولذلك سوف تسمح بإضفاء الصفة القانونية على أغلبية هذه العقارات، ما عدا نحو 400 عقار في منطقة ماربيا بنيت بمخالفات صارخة لقانون الحفاظ على المناطق الخضراء وبالقرب من ساحل البحر. وسيتم توقيع العقاب على مطوري العقار الذين استخرجوا التصاريح المزورة لتعويض المتضررين.
ومن ضمن الإجراءات المتخذة ضد هؤلاء المطورين مصادرة أراض يملكونها لتعويض المجالس البلدية عن الأرض المفقودة، لاستخدامها في المشاريع العامة مثل الحدائق والمراكز الرياضية. وتم الإقرار المبدئي للخطة التي سوف تعمم في بداية العام المقبل لإنهاء حالة عدم الوضوح السائدة حاليا.
 ولكن الأمر لن يكون سهلا، حيث إن معظم شركات العقار تعاني من الخسائر والديون، وحتى الأصول والأراضي التي تملكها مرهونة للبنوك التي سوف تعترض بالتأكيد على أي عقوبات من شأنها تحويل شركات العقار إلى الإفلاس، أو نزع الأراضي منها وهي بمثابة ضمانات لقروض سابقة. ويوصف الوضع الحالي في سوق العقار الإسباني بأنه متردٍ بسبب توقف عمليات البيع والشراء، ليس فقط على السواحل الجنوبية ولكن في كل أنحاء إسبانيا. وتضطر شركات العقار حاليا إلى تقديم حسومات هائلة من أجل تحقيق مبيعات عقارية، وفي منطقة «كوستا ديل سول» تقدم شركات عقارية حسومات تصل إلى نسبة 55 في المائة من قيمة العقارات. واستطاعت شركة تشرف على مشروع اسمه «هابيتات» في المنطقة أن تبيع بتخفيضات وصلت إلى 35 في المائة، بينما يصل عدد الوحدات غير المباعة في معظم المشروعات إلى الثلث أو أكثر. ويؤكد الخبير العقاري الإسباني جورج رودريغز أن السوق يمر الآن بمرحلة تقديم حسومات كبيرة قد لا يشهد مثلها في المستقبل. ومهما تكن تحولات السوق وتزايد الضغوط على شركات العقار الإسبانية التي يواجه بعضها السقوط بسبب تراجع الأسعار وتهديد الجهات الرسمية بطلب التعويض منها عن المخالفات ومصادرة أراضيها وانكماش التسهيلات الائتمانية من السوق، فإن المستفيد الوحيد من هذه التحولات هو المستثمر الذي يبحث عن فرص عقارية في أسواق اليوم.
من بريطانيا لاحظت شركة تحويل أموال تعمل في سوق الجملة اسمها «كارينسي دايركت» أن حجم التحويلات من الاسترليني إلى اليورو بين بريطانيا وإسبانيا زاد بنسبة 20 في المائة خلال الأسابيع الأخيرة، وأن معظم هذه الأموال تتوجه إلى صفقات شراء عقار وبحجم يصل في المتوسط إلى مائتي ألف استرليني (220 ألف يورو).
وهناك علامات أخرى على عودة النشاط وفقا لشركات العقار في منطقة ماربيا. حيث يقول كريس كلوفر من شركة «بانوراما» للعقار إن معظم المشترين الجدد يتوجهون إلى أفضل المواقع مثل «سييرا بلانكا» و«غولدن مايل».

ويزداد الطلب خصوصا على العقارات التي تقع في الشريحة السعرية بين 300 ألف ومليون يورو. ويضيف كلوفر أن معظم المشترين هم من الأسواق الدولية وليس من داخل إسبانيا وهم مستثمرون يشترون نقدا، وبعضهم انتظر سنوات طويلة حتى يصل السوق إلى المستويات المغرية التي تشجع على الشراء، وهم يجدون أن التوقيت الحالي يقدم أفضل الفرص السعرية.
                                                                                ملامح الإنتعاش بالسوق 
 وتعزز شركة «تيللور وودرو» من فرعها الإسباني الاعتقاد بعودة ملامح الانتعاش إلى الأسواق بتأكيد أنها باعت 13 شقة فاخرة في الأسابيع الأخيرة لمستثمرين أوروبيين يبحثون عن الفرص في أفضل المواقع.
وتعترف الشركة بأن العقارات التي تقع في مواقع غير مغرية وتنتمي إلى قطاع العقارات الجديد تعاني أكثر من غيرها، خصوصا تلك التي تقع في مجمعات سكنية لم تكتمل منشآتها بعد.
وتملك البنوك معظم هذه العقارات وتحاول بيعها في مزادات عبر شركات خاصة أنشئت لهذا الغرض.
من قطاعات السوق التي تلقى رواجا أيضا قطاع البائعين المضطرين للبيع بسبب الأعباء المالية.
من هؤلاء ثري بريطاني تراكمت خسائره بسبب الأزمة المالية فعرض بيع فيلا يملكها في ماربيا، قيمتها السوقية ثلاثة ملايين يورو بتخفيض وصل حجمه إلى مليون يورو من ثمنها.

ويقول مارك ستاكلين، وهو مدير شركة عقار تعمل على الإنترنت اسمها «سبانيش بروبرتي إنسايت» إن ما نراه الآن في السوق الإسباني هو «هروب نحو القيمة» فالمشترون يريدون نوعية جيدة من العقارات في مواقع ممتازة وهم يستفيدون من الحسومات المقدمة عليها. وتؤكد هذه الملاحظة باربرا وود، التي تدير شركة بحث عقاري للمشترين اسمها «بروبرتي فايندر». فهي تقول إن الفرص المتاحة تفوق ما كانت عليه أثناء الكساد الماضي في عام 1990.
 وهي تشير إلى حسومات تصل إلى نسبة 40 في المائة وفي أفضل المناطق مثل «غولدن مايل» أو الميل الذهبي الذي يقع على الساحل بين ماربيا وبورتو بانوس، أو منطقة «وادي الغولف» التي تقع خلف مدينة بورتو بانوس.
ويحصل المشتري النقدي على أفضل العروض والشروط في سوق لا تعقد فيها الكثير من الصفقات. وهي تشير إلى مجريات السوق حاليا بأنها اصطحبت عملاء لشراء عدد من العقارات الإسبانية التي تتراوح أسعارها بين مليون ونصف المليون يورو، وكانت العروض النقدية المقدمة من المشترين تقل عن هذه الأسعار بنسبة 40 في المائة.
وبعد المفاوضات بيعت فيلا كان ثمنها الاصلي 1.5 مليون يورو بسعر أقل من المليون على الرغم من أنها تطل على البحر وتشمل أربع غرف نوم وحمام سباحة طوله عشرة أمتار.
وقالت وود إنها في خبرتها الطويلة لم تر مثل هذه الفيلا تباع بأقل من مليون يورو من قبل.                                       Image
وهي تعرض بعض الفرص المتاحة مثل فيلا بالقرب من ملاعب غولف خلف مدينة ماربيا كان سعرها الأصلي 1.6 مليون يورو، ولكنها يمكن أن تباع الآن بأقل من مليون يورو.
ويوجد أيضا عقار سكني يطل على ملعب غولف يحتوي على أربع غرف ويعرض بسعر 995 ألف يورو هبوطا من 1.3 مليون يورو، ولكنه يمكن أن يباع بأقل من هذا السعر بعد التفاوض.
 وتزيد التخفيضات في حالات العقارات المصادرة والتي تشكل الآن نسبة كبيرة من العقارات المعروضة، مثل قصر في منطقة «لاكوينتا» التي لا تقل فيها الأسعار عن مليوني يورو، إلا أن السعر المطلوب الآن هو 1.2 مليون يورو فقط.
 وهي توضح حجم الحسومات بالقول إن البريطانيين يحصلون الآن على صفقات أفضل مما كان الوضع عليه عندما كان الجنيه الاسترليني مرتفعا أمام اليورو، حيث كانت الأسعار أيضا مرتفعة حينذاك.
فالشقق البحرية في مدينة بورتو بانوس تباع الآن بسعر يصل في المتوسط إلى 460 ألف يورو، وكانت منذ ثلاث سنوات تباع بسعر 795 ألف يورو، أي ما كان يوازي 545 ألف استرليني حينذاك.
 وهناك العديد من الحالات التي أقبلت على شراء عقارات إسبانية رخيصة عبر البحث على الإنترنت ثم الاتصال المباشر بالشركات، خصوصا في فترات نهاية العام المالي.
وتتم بعض الصفقات الآن بنصف الثمن عما كانت عليه الأسعار منذ عامين فقط. ويحصل هؤلاء الذين يتمتعون بقدرة تفاوض جيدة مع سيولة نقدية على أفضل الفرص حاليا. من الملاحظ أيضا أن العديد من رجال الأعمال عادوا إلى الجنوب الإسباني من أجل افتتاح مشاريع جديدة لنواد ومطاعم ومنتجعات تتوجه معظمها إلى الطبقات الثرية وتتخذ من العلامات التجارية المشهورة عنوانا للثقة.
 وتخدم هذه المشروعات السياح القادمين من خارج إسبانيا خصوصا في موسم السياحة الصيفي.
ولكن حتى مع أفضل الفرص والأسعار لابد من الحذر والتعلم من خبرات الماضي والتأكد من أن الشركات البائعة لها حق البيع وحصلت على كافة التراخيص القانونية التي يجب التأكد منها عبر محام مستقل، وأن المشروعات العقارية ليست مرهونة بسبب الديون، ففي إسبانيا تنتقل العقارات – وديونها – إلى المالك الجديد. 

                                                                                                                                 المصدر : الشرق الأوسط


 

مواضيع ذات صلة :