آراء وأقلام نُشر

المآذن... أزمة الثقافة السويسرية

سويسرا البلد الأوروبي المسالم والمحبوب افتقد الحياد، ثم " يضيع فضيلة الحرية المعروفة عنه " ، ويتلبس  فضيحة دولية بالاستفتاء على حرمان مواطنيه من حقوق حرية" العبادة والاستفتاء " لن يضر الإسلام في شيء..

إننا نحب أن نذكر أو يتذكر الشعب السويسري الصديق، الذي حظي باحترام العالم بحياده، وعدم تعصبه مما جعله من أعظم شعوب العالم ثقافة وعلم وثراء.. إلا أن بعض المساوئ التي تحملتها الشعوب وغضت الطرف عنها كانت احتراماً لتمسكه بتلك المبادئ، وللأسف أدى السقوط في امتحان الحياد والتردي في مستنقع التعصب إلى رفع الحصانة، ولزوم الكشف عن المساوئ والهفوات والخداع والأخطاء ثم الخطايا العظيمة للمصارف السويسرية الموصوفة بممارسة دور حكومة العالم الخفية، ومن الواضح أن البلد المسالم يعيش حالياً أزمة ضمير، بعد أن فقد الحياد الذي عاش مستتراً خلفه لقرون من الزمن، وكان فضيلة قد حسن الحظ، بعدم المشاركة والانفلات من حروب التعصب الصليبية وملفات التاريخ الاستعماري الأوروبي السوداء.. بل وعدم الخوض في جرائم القراصنة الذين نهبوا ثروات وآثار وكنوز الشعوب المستعمرة التي قتلت عبر قرون وأبيدت قبائلها " في الأمريكتين وإفريقيا وجنوب شرق آسيا ثم في الشرق الأوسط والأقصى والأدنى " .. حيث قضى عشرات الملايين من السكان قتلاً من مأساة الهنود الحمر وسكان استراليا وما جاورها إلى مأساة الرقيق الزنجي لأمريكا.. والشعب السويسري يعلم أن أحفاد المستعمرين أصبحوا بديلاً عن السكان الأصليين ويمثلون الموتى بالإنابة.. تلكم الجرائم زرعت الكراهية الثقافية والتاريخية إلى عمق المستقبل للتاريخ الإنساني. ولأن ثقافة الاحتلال والقتل والاضطهاد والقهر والاستعباد لا تمحى من ذاكرة الشعوب وستبقى ما بقيت أسبابها.. ولحسن الحظ فقد كانت سويسرا بعيدة عنها وعن تبعات القرون المظلمة في التاريخ الإنساني، لكنها وللأسف وقعت تاريخياً في فخ آخر وسلكت ممراً خطراً للقرصنة الضبابية مالياً ..
لقد استقطبت ثروات السفاحين والمجرمين من المتحاربين، سواء الحروب الكونية أم البينية أو الأهلية وفتحت حسابات سرية لهم ولغيرهم من عصابات المخدرات والأسلحة، وحتى أولئك الذين نهبوا شعوبهم كحكام أو كعصابات أو كشركات للنفط أو المهربين من الشركات المتعددة الجنسية، دون تحفظ على الحقوق.. فالمتوفين من ذلك «الخليط» يحرم أهليهم أو شعوبهم من الأرصدة في الحسابات السويسرية ، لأن الورثة هم مصارف ومنظمات سويسرية، وقد اعتبر الكثيرين في العالم أن ذلك العمل «قرصنة مالية» لاستمراره لقرون، حيث عملت وتعمل غسالة الحياد على تبييض وغسل المليارات من العملات النقدية المشبوهة والمنهوبة، دون حساب أو محاسبة من أحد، ومن اللائق الآن لسمعة سويسرا الاعتذار لدول العالم لتأخر تسليم وزراء العدل في حكوماتها قوائم بأصحاب الحسابات السرية، خلال القرن الماضي بل وحتى الآن «في ظل الشفافية والحوكمة والنزاهة الدولية» ولكن للأسف استمرار الحال يجعل سويسرا الثقب الأسود الذي يبتلع ثروات ضخمة لتمويل عمليات محرمة حفظ بعضها تاريخ الحوادث ابتداء من مشروع «بازل» بإدارة الآفاق العالمي هرتزل عام 1897م وما تبعه من عمليات يحرمها المجتمع الإنساني مطلقاً .. والجدير بحضارة سويسرا.. عدم الاستمرار في الخطيئة والعفة هي المبادرة للاعتراف والوقوف بنزاهة إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرض منذ ستين عاماً للتشريد والقهر والقتل وشتى أنواع العسف والظلم على أيدي الصهاينة اعتماداً على مؤتمر بازل الذي رعته سويسرا ومولته بالإضافة إلى تمويل تقسيم إفريقيا عام 1885م بين جيوش أوروبا ثم تجارة الرقيق الزنجي لأمريكا، كذلك دعمت «آل روتشيلد» في تنفيذ وعد بلفور عام 1917م وساهمت في إسقاط الخلافة الإسلامية في الحرب الكونية الأولى.. ومولت مفاعل«ديمونة» النووي ومعظم أنشطة الصهيونية العالمية.. لكل ذلك فإن الشعب السويسري الصديق المسالم مدعو للاعتذار عن تلك العمليات الغير أخلاقية واللا إنسانية البتة، وكان ولازال من المفيد إجراء استفتاء لإدانة تلك العمليات والأعمال المحرمة في حق شعوب الشرق الأوسط، وفلسطين على وجه الخصوص، ويمكن أخذ عبره من تسامح «بابا الفاتيكان» الذي طلب من عمدة روما.. منح أرضية لبناء مسجد روما الحالي عليها.. فالتعصب فضيحة لا تليق بالشعب الذي عرفه العالم مسالماً ومحايداً وغير متعصب، والاعتراف بأن الخداع والقرصنة المالية لا ولن يفقد سويسرا بصيرة العدالة والسقوط في حفرة التعصب.. ونعتقد بأن إضاعة الحياد والحرية موقف يدعو للدهشة والحزن والاستغراب.. من شعب صديق كالشعب السويسري.

* محلل مالي


 

مواضيع ذات صلة :