ثقافة وفنون نُشر

أختتام المؤتمر الدولي الثالث للمناهج النقدية الحديثة بجامعة السلطان قابوس

اختتمت في مسقط فعاليات المؤتمر الدولي الثالث لقسم اللغة العربية  وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان قابوس، الذي انطلق بعنوان المناهج النقدية الحديثة، النص الشعري، قراءات تطبيقية، الذي استمر لمدة ثلاثة أيام بجلسات عملية صباحية ومسائية، شارك فيها أعلام النقد الأدبي الحديث من مختلف الجامعات العربية، في سلطنة عمان، والسعودية وقطر، والأردن، ومصر، وتونس، والجزائر والمغرب واليمن، بمشاركة الدكتور محمد المحفلي من جامعة حضرموت، الذي قدم بحثا بعنوان: شعرية الخطاب الحجاجي في ديوان البهلاني.

وقد بين في ورقته البحثية المقدمة  أن الحجاج ينطلق في -مناهج النقد الأدبي الحديث- من حقل الفكر والفلسفة، بدءا من سقراط وأفلاطون فأرسطو ومن تابعهم، وصولا إلى علماء البلاغة وعلماء اللغة والنحو وعلماء الكلام العرب، ويعد أرسطو رائد الحجاج، من خلال ما أسماها بالخطابة التي انبثقت عنها قواعد الحجاج وأسسه في مفهومه الحديث ولكنه قد انساق منهجيا ضمن الآليات التي أنتجتها التداولية في تحليل الخطاب.

وقد وقف في بداية ورقته على مفهوم الحجاج، الذي  يعد في أبسط تعريف له بأنه: قول يفترض متكلما ومخاطبا ويتضمن رغبة الأول بالتأثير في الثاني بشكل من الأشكال وهذا يشمل الخطاب الشفهي بكل أنواعه ومستوياته، ومدوناته الخطية، ويشمل الخطاب الخطي الذي يستعير وسائل الخطاب الشفهي وغاياته. وبعد استعراض الكثير من التعريفات والبحث في غايات الحجاج ووظائفه، سعت القراءة إلى وضع بعض المداخل المنهجية للحجاج؛ بغية الوصول إلى بنية الخطاب الحجاجي وشعريتها في النص الشعري.

وقد بين أن كثيرا من مطبقي هذا المنهج يبحثون في الشعر العربي القديم، الذي غالبا ما يكون بناؤه الفني متسقا مع آليات الحجاج وأدواته بصورة مباشرة وواضحة. فطبيعة بناء النص الشعري العربي القديم تعطي الدارس -على وفق منهج الحجاج- الفرصة الملائمة لكشف فنيات الخطاب الحجاجي وكشف آلياته فيه. فقليل من بحث في حجاج النص الشعري الحديث؛ لأن مستوى الترميز وتكثيف الصور الشعرية تصبح عوائق أساسية أمام الباحث في الشعر الحديث، الذي يتجه لقارئ ذي مواصفات معينة فتكون الآليات والوسائل الحجاجية ذات منزع خاص وذات تجل مراوغ، لا يستطيع الكشف عنها إلا بصعوبة بالغة.

ويعتمد الشعر -إضافة إلى لغته الشعرية- على عدد من الوسائل والأدوات التي تعينه في استكمال بناء صورته النموذجية، من ذلك وسائل الخطاب الحجاجي وأدواته. وقد تم التطبيق في تلك القراءة على  متن الشاعر العماني: أبي مسلم البهلاني، إذ بين أن هذا المتن قادر على الإيفاء باشتراطات الخطاب الحجاجي وكذلك اشتراطات الشعرية، إذ يحمل في نصوصه شعرية تمثل -في سياقها التاريخي- تجربة مختلفة. فعلى الرغم من مستوى اللغة الشعرية والفنية والفكرية العميقة التي تلف نصوصه، فإنه لم يلاق حقه من الدرس على مستوى العالم العربي، إذ إن شعره يمثل حالة فارقة، وهو في عصر طبع الشعر والإنتاج الأدبي بالتقهقر والانحطاط، ولكن هذا المتن يقدم دلائل واضحة على مستوى النضج الفني الذي وصل إليه النص الشعري عند البهلاني. وتعد هذه القراءة محاولة لتسليط الضوء على ناحيتين: الأولى متن الشاعر، والأخرى، آليات الخطاب الحجاجي ومدى قدرتها على رفد الشعرية في النص.

وقد قسم الدراسة إلى قسمين رئيسين، الأول حاول فيه الدخول عبر مدخل منهجي للحجاج، بصورة عامة، والحجاج في النص الشعري بصورة خاصة، والآخر: القسم التطبيقي، الذي تم التركيز فيه على الخطاب الحجاجي وكيفية تجليه شعريا في ديوان أبي مسلم البهلاني. وقد سار القسم التطبيقي عبر ثلاثة مسارات، المسار الأول، تم فيه البحث عن الخصائص الحجاجية وكيفية تمظهرها في النص الشعري، والمسار الثاني: البحث في شعرية تلك الخصائص، وكيفية اشتغالها لرفد الشعرية في النص، والمسار الثالث، هو كيفية اشتغال الحجاجي لتأطير الخطاب الشعري في متن الشاعر بصورة شاملة.

وقد بين أخيرا أن بنية النموذج التواصلي داخل المتن تمتلك ثراء في تشكيل أطرافه، وتنويع الخطاب الحجاجي، وعندما تختلف أطراف النموذج التواصلية داخل النصوص تختلف لغة النص وتركيبه وأسلوبه ودلالاته، كما يختلف المظهر الحجاجي بصورة كبيرة وتزيد الأصناف الحجاجية وتقل تبعا لهذه الأطراف، فعندما يكون المرسل هو المؤمن العابد الزاهد أو المواطن الشريد، يكون المرسل إليه، إما الله، أو قد يكون إمام المسلمين وسلطانهم، وحين يكون المرسل المفكر وعالم الكلام، يكون المرسل إليه مفكرا مضادا، وعالم كلام آخر. ومن هذا التعدد يوجد مرسل عام وقارئ عام أيضا.

وبينت القراءة أن الآليات الحجاجية تتجلى داخل المتن المدروس على تشكلات مختلفة ومتنوعة، بيد أنها تختلف في علاقاتها مع الشعرية داخل النصوص، فبعض تلك الأدوات تزيد من شعرية النص، وتكون مهيمنة في تمظهرها بصورة كبيرة، في حين تكون بعض الآليات الحجاجية مؤثر بصورة سلبية على الشعرية، خاصة حين تكون مرتبطة بالجانب الفكري والجدلي؛ لذلك يقل استعمال ذلك النوع من الحجج، بيد أنها تأتي لضرورات دلالية لتكمل بها البناء الفكري للنص الشعري.

وتصل القراءة  بصورة عامة في هذه الخلاصة إلى أن الحجاج لا يتناقض مع الشعرية ولكن يمكن أن يكون الخطاب الحجاجي رافدا من روافد شعرية النص، كما تبين أيضا أن للشعر العربي الحديث روادا وشعراء إحيائيين غير أولئك الذين تزدحم بهم كتب الدرس، فهناك شعر وشعراء يستحق ويستحقون أن يضعوا في مكانهم المناسب بوصف شعرهم يؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل تطور الشعر العربي، لا سيما حين تكون تلك المرحلة فاصلة بين الانحطاط والإبداع. وقد تبين أن الشاعر البهلاني استطاع أن يجمع الفكر مع الفن، والبلاغة مع الفلسفة، والعقيدة، مع الشعر، وتكامل كل ذلك ليخرج شعر ذو طبيعة مختلفة على مستوى المرحلة التي وجد فيها.


 

مواضيع ذات صلة :