مباشر الآن نُشر

إنهيار أسواق العملة الخليجية: رهان الإصلاحات

عرفت أسواق العملة العربية في الخليج تدهوراً مفاجئاً الواحد تلوَ الآخر بسبب تسويات كان لا بدّ منها بعد أن كانت تلك الأسواق عينها قد شهدت تحسّناً ملحوظاً جرّاء ارتفاع أسعار النفط والفوائض المالية الناتجة عنه وعلى الرغم من أنّ الفقاعة نفطية قبل كلّ شيء ولها نتائج مباشرة على البورصة، يمكن لآثارها أن تمتدّ إلى الأصعدة الإقتصادية والإجتماعية والسياسيةعلى الصعيد الإقتصادي، نلحظ أوّلاً فقدان الثقة، حتى بالنسبة إلى الإقتصادات التي تتمتّع بإنفراجات نفطية دائمة على غرارالدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي حيث بلغ الفائض هذه السنة 300 مليار دولار وهذه الأموال تنتظر التوظيف، خاصّةً في الإقتصادات والبورصات المحلّية. كما نلحظ تقنيات يُعاد تشكيلها تدريجاً من قِبل الأسواق ولاسيّما في ما يتعلّق بحماية المستثمرين والشفافية وترشيد سبل مراقبة الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، نرى تمركزاً ضرورياً للسياسات الخاصة بالأموال والبورصة والتي يجب التوصل إليها وتطبيقها. ونرى أيضاً أنّ حالات الإنهيار في بعض الأسواق تستدعي تنظيم إصلاحات بنيوية على المدى المتوسط والمدى الطويل
على الصعيد الإجتماعي، نلاحظ أيضاً زعزعةً للثقة إلى جانب شعور بعض المستثمرين بالندم – الصغار منهم والكبار – لأنّهم وظّفوا ممتلكاتهم في البورصات الوطنية بدلاً من توظيفها في البورصات الدولية التي تبقى مفتوحة على الرغم من القيود المتعددة التي فُرضَت بُعيْد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وتستعيد، وسط الأزمة، جزءاً من الأموال الهاربة. وهنا يجب العمل على إزالة كل ما تبقى من حالات الإفلاس المفتعلة وانزعاج صغار الحاملين فهم على قناعةٍ اليوم من أنّ انهيار أسواق العملة كان مفتعلاً ولأغراضٍ سياسية (حسب استطلاعٍ لصحيفة الإتّحاد الإماراتية، يعتقد 80 في المئة من المشاركين أنّ الإنهيار كان مفتعلاً – بتاريخ 19 آذار/ مارس).

على الصعيد السياسي: من الضروري هنا أيضاً إستعادة الثقة بالأنظمة السياسية الثرية إنّما العاجزة عن ضمان الأمن المالي لأتباعها الذين يُدفَعون نحوَ التكهّنات عن أسواق البورصة وبالتالي إلى تحقيق الأرباح بسهولة من النفط، تلك النعمة لإلهية، لربّما يُدفَنَ حلمهم الخفي بالديموقراطية (مثلاً يملك نصف السعوديين في المملكة أسهماً في البورصة فغالباً ما تمنح السلطات قروض ميسّرة للسكان كي يذهبوا "للّهوِ" على الساحات المالية).

بالنسبة إلى بلدانٍ كالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتّحدة، دُقَّ ناقوس الخطربعد إنهيار أحد الأسواق في الكويت في الثمانينيّات. وقد بات تجديد الثقة في أقرب فرصةٍ أمراً لا بدّ منه، بعد أن شعرت الأسواق المالية في الإمارات وقطر بالبوادر الأولى نهايةَ العام 2005 ، في الفترة التي يعيش فيها هذان البلدان تقلّيات سياسية وإقتصادية وإجتماغية عميقة. وعلى هذا الستوى يجب احتواء كافّة أعراض إنهيار أسواق البورصة الجانبية ومن الضروري أن تأخذ الإصلاحات الهيكلية مجراها فالهدف منها السماح بتوجيه الإستثمارات نحوَ فرص داخلية في قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والسياحة والخدمات وغيرها ( أثبتَتْ دراسةٌ وردت في الشرق الأوسط في 18من آذار/ مارس أنّ وسائل الإعلام السعودية قد تسلّط الضوء بشكل خاص على فرص الإستثمار والإرباحية داخل القطاعات الإنتاجية في المملكة، بالإضافة إلى انّها تقوم تلجأ إلى خبراء في هذا الشأن).

و تدخل الملك عبد اللّه بن عبد العزيز في السعودية لمواجهة تداعيات إنهيار بورصة الرياض المباشرة وذلك عبر إجتماع المجلس الإقتصادي الأعلى إبتدءاً من الرابع عشر من آذار/ مارس وطرح المسألة للنقاش. وسمح هذا التفاعل، إلى جانب "فرادة" السعودية، للملك باستباق ردّات فعل غير متوقّعة من قِبل صغار الحاملين كما حصل في الكويت الذي شهد سلسلة من التظاهرات أمام مقرّ البورصة في حين كان الأمير صباح أحمد الصباح في زيارة رسمية إلى دول الخليج (وتجدر الإشارة إلى أنّه في ما يتعلّق بالكويت حيث الحياة البرلمانية متطورة نسبياً، سرعان ما تمّ تسييس القضية وحاول البرلمان الإهتمام بالملف بغية استعماله في وجه الحكومة).

ولطمأنة كبار المستثمرين، سرعان ما حصل الملك عبد اللّه على دعم الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيزوهو أغنى ثامن رجل حسب تصنيف "فورب". وكان الوليد بن طلال قد أعرب عن دعمه التام للإقتصاد السعودي _ أي للسلطة السياسية – عندما أعلن عن نيّته إستثمار مبلغ ملياريْ وأربعة ملايين دولار في بورصة الرياض. كما انتهزت شخصيات سعودية مرموقة الفرصة لتأكيد دعمها للسلطة ولا سيّما الراجحي (الذي تملك مجموعته أسهماً مدرجة في البورصة).

ويشكل ذلك تحذيراً يمكن معالجة تداعياته الفورية في الوقت الحالي من دون صعوبة وذلك باللجوء إلى البيترو دولار وسياسات تدخلية. ومع الوساءل القيّمة التي تملكها، يمكن لحكومات دول الخليج العربية حالياً ان تديرَ خطر تباطئٍ لجهة النمو، على الرغم من نسب بطالة مرتفعة ( أي خمسة عشر في المئة من السكان القادرين على العمل في المملكة العربية السعودية) ومن تشنّج إجتماعي (إلى جانب جهود "لتوطين" بعض الوظائف غير المضمونة النتائج). إنّ أسواق العملة التي تستقطب سبعة تريليون دولار في منطقة الخليج تستعيد مكانتها شيئاً فشيئاً وباتت قادرة على تعويض خسائر الأسبوع الأسود تدريجاً. إنّما، على المدى الأطول وفي ظروف نفطية ومالية مختلفة، قد تكون أي معالجة سريعة لهذا النوع من الإستياء في البورصة أكثر صعوبة وألماً بالنسبة إلى الأنظمة العربية في الخليج.



 

مواضيع ذات صلة :