آراء وأقلام نُشر

الحج ليس سياحة دينية ..!

يطيب لبعض خبراء الاقتصاد التنظير من منطلق إن السعودية لا تستثمر بشكل جيد السياحة الدينية وأن هذا القطاع يعتبر ذا مردود عالٍ فيما لو اخذ نصيبه من الاهتمام على مستوى القطاعين العام والخاص .
ويقصدون بذلك مواسم العمرة التي باتت متاحة طيلة العام وموسم الحج الذي يشهد هذا العام إقبال 2.5 مليون حاج منهم 1.6 مليون حاج من خارج البلاد .
ويفوت هؤلاء المنظرين انه لولا الثروة التي حبا بها الله المملكة لما أمكن لها إن تنفذ كل مشاريع التطوير التي قامت بها ، وأنها لا تستطيع إن تتكل من اجل ذلك على رسوم أو ضرائب تتقاضاها من حجاج معروف عن أكثرهم أنهم اقتصدوا جنى عمرهم لإتمام فريضة مقدسة ، وأن من غير الممكن أن تطلب من مثل هؤلاء الأشخاص دفع أي مبلغ يضاف فوق ما ينفقونه بدل النقل والسكن والغذاء .
وخير دليل على ذلك الحاج الذي اقتصد منذ أكثر من 40 سنة للقيام بواجب مقدس .ولو أردنا احتساب ما تتكلفه الدولة قبل وخلال وبعد إتمام فريضة الحج لتبين لنا إن الكلفة باهظة جداً قياساً إلى ما تقوم به حيث يتم استنفار نحو 100 ألف رجل امن ، ونحو 15 ألف رجل صحة ، وعشرات المستشفيات والمختبرات الطبية ، ويتم وضع خطط محكمة لتنظيم السكن والتنقل وتوفير الماء والغذاء والتغطية الإعلامية واستضافة بعض الوفود ، وكل هذا يكلف مبالغ باهظة .
وتكفي الإشارة إلى أن موسم الحج الحالي فرض على السلطات المعنية ثلاثة تحديات أولها تمثل بمخاطر أنفلونزا الخنازير ، وثانيها تحديات الإرهاب ، وثالثها رغبة الحجاج الإيرانيين بتنظيم تظاهرات ومسيرات وقد أمكن للسلطات المعنية إن تواجه بنجاح هذه التحديات وأن تزيل مخاطرها .
وإذا كان البعض يظن إن موسم الحج متعلق فقط بفترة وصول الحجاج ومن ثم رحيلهم بعد إتمام شعائرهم فهو مخطئ لأنه يتغافل عما وظفت الدولة من جهود وأموال لإنجاز مشاريع تطويرية في مكة المكرمة وفي المدينة بهدف ان ينجز الحجاج فريضتهم بكل يسر وراحة .
وعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد أنفقت المملكة بسخاء كبير على مشاريع المشاعر المقدسة من اجل إنجاح موسم الحج وتسهيل تحركات الحجيج في السنوات الخمس الأخيرة، ومن ذلك اكتمال مشروع جسر الجمرات العام الحالي ليستوعب أكثر من 300 ألف حاج للرمي كل ساعة الأمر الذي جعل اكبر مشاكل الحج وهي (زحام الجمرات) إلى زوال بفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي خصص أكثر من 4.2 مليار ريال لهذا المشروع.
كما يعد مشروع قطار الحرمين الجاري العمل فيه على قدم وساق حاليًّا من ابرز المشاريع الهادفة إلى تسهيل حركة تنقل الحجيج حيث سينقل 72 ألف حاج كل ساعة ويربط بين مكة والمشاعر المقدسة ومن المقرر الاستفادة من 35% منه العام المقبل على أن يكتمل خلال 3 سنوات بتكلفة تصل إلى 6 مليارات ريال.فهل بعد إنفاق كل التكاليف يجوز لخبير أو منظر اقتصادي أن يتساءل عن مردود السياحة الدينية .
وهل قادة المملكة يفتشون عن تحقيق أرباح وهم الذين اقتنعوا برحمة الله ومرضاته فسخروا من اجل ذلك كل طاقات وإمكانيات البلاد . وهل من يقوم بمثل هذا العمل ينتظر أن يحقق مردوداً مادياً قد لا يكفي لتعبيد طريق ..!!.

* رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي


 

مواضيع ذات صلة :