آراء وأقلام نُشر

نيامـا

حسن عبد الوارث

بقلم : حسن عبد الوارث *

قبل عشرين عاماً، كنت في بعثة دراسية، في بلغاريا، في مجال الإعلام التنموي. وقد منحتني هذه التجربة أكثر من فرصة ذهبية للإطلاع على معارف وتجارب شتى، لدى شعب مجبول على العمل والإنتاج، ودولة عُرفت بأنها «ريف أوروبا»..
وقد طفت تلك البلاد-طولاً وعرضاً-من العاصمة صوفيا، إلى فارنا الجميلة على البحر الأسود، مروراً بمركز التنمية الشامخ بلوفديف، ثم يورجاس وغيرها من المدن والقرى-فكانت الخيرات الزراعية والصناعية تصطف قبالتي على نحو فائض للغاية..
فلا أكاد أجد نقصاً-ولو طفيفاً-في محصول نباتي أو سلعة مصنعة أو حاجة غذائية أو غيرها من المنتوجات التي تلبي الاحتياجات الانسانية الضرورية أو حتى الكمالية.
وذات يوم، تلقيت دعوة لحضور معرض بلوفديف الدولي، وهو معرض سنوي يقام في مدينة بلوفديف، وتشترك فيه عشرات الدول-ممثلة بمؤسساتها الإنتاجية والتسويقة-حيث تعرض منتجاتها الزراعية والصناعية وغيرها، فيكون التنافس قائماً على أشده، مثلما يكون المجال متاحاً لعقد الاتفاقيات أو تبادل الخبرات..
وفجأة، وجدتني أمر بجناح بلغاريا نفسها في هذا المعرض، فاستوقفتني المعروضات التي يكتظ بها هذا الجناح..
وقد عجبت- في بادئ الأمر-لما رأيته من بضائع لم أصادفها يوماً في الأسواق المحلية..
وقد كانت تبعث على الدهشة والإعجاب، لما إزدانت به من جودة المادة، وجمال القالب، وروعة التصميم.
غير أن دهشتي زالت وإعجابي تلاشى، حين عرفت من أحد الأصدقاء البلغار أن جميع معروضات الجناح غير متوافرة على الإطلاق في السوق المحلية، وأنها مخصصة للتصدير فقط!!.
لقد قال لي هذا الصديق معلقاً بسخرية لاذعة: «إنه معرض نياما».. و«نياما» مفردة في اللغة البلغارية تعني: غير متوفر أو غير موجود، أي معدوم، أو «مابش» باليمنية الدارجة!!.
وقد زاد ضيقي حين كنت أتأمل وجوه المواطنين البلغار الذين يزورون المعرض، ثم يقفون قبالة جناح بلدهم، فينظرون إلى محتوياته بعيون منكسرة وقلوب متحسرة، ولسان حالهم يردد بأسى بالغ «نياما.. نياما»!!.
 دعاني هذا المشهد إلى إطلاق ضحكة مدوية، ماجعل صديقي يسألني مدهوشاً عن السر؟!..
فأجبته: «إن الحال من بعضه»!!. فقد كان الوضع في الشطر الجنوبي من الوطن، قبيل الوحدة، شبيهاً-إلى حد التطابق تقريباً-بالمشهد البلغاري.. فالأسواق المحلية تخلو من منتوجات وسلع تجدها معروضة في «بلوفديف» وغيره من المعارض الدولية!!..
عدا أن ثمة منتوجات قد تتوافر في السوق المحلية، ولكن بجودة أقل وقالب أدنى مستوى من المنتوج ذاته المخصص للتصدير إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية!.
وكله كوم.. وخيرات البحر كوم ثاني.. فقد كانت أفضل أنواع الأسماك والأحياء البحرية التي يكتظ بها خليج عدن أو بحر العرب تخصص للتصدير، بغرض الحصول على العملة الصعبة، فيما السوق المحلية لاتعرف سوى أسوأ أنواع السمك، أما الأحياء البحرية الأخرى فلا وجود لها على الإطلاق!!.





رئيس تحرير صحيفة الوحدة *


 

مواضيع ذات صلة :