الأخبار نُشر

بريطانيا تنقذ النفط الروسي وتخدع أوروبا.. تحقيق يكشف مفاجآت عديدة

يعدّ الشراء الآسيوي المكثف لشحنات النفط الروسي أمرًا مفهومًا نسبيًا في أعقاب سريان العقوبات، وبين الحين والآخر تظهر بيانات نقل تُشير إلى "شراء أوروبي غير مباشر" بعد تكرير الخام في مصافي تكرير مثل المصافي الهندية وإعادة نقله، وهو أمر يمكن تفهُّمه أيضًا في سياق تلبية الطلب وتجنّب أزمة الطاقة.

بريطانيا تنقذ النفط الروسي وتخدع أوروبا.. تحقيق يكشف مفاجآت عديدة


لكن بعد مرور ما يقرب العامين على الحرب الأوكرانية، كانت المفاجأة من زاوية تبعد كثيرًا عن مجرد شراء خامات موسكو بعد التحايل على العقوبات، إذ للمرة الأولى يذهب تحليل إلى (تورّط بريطاني كامل) في عملية نقل وتأمين هذه الشحنات، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وربما يعود سبب الاندهاش إلى تاريخين: 8 مارس/آذار من عام 2022، مع إعلان وزير الأعمال والطاقة البريطاني آنذاك "كواسي كوارتنغ" توقّف المملكة عن استيراد النفط الروسي بحلول نهاية العام، و2 سبتمبر/أيلول من العام ذاته، مع الاتفاق على عقوبة جديدة تلاحق الخامات الروسية بفرض سقف سعري، بالتعاون مع دول مجموعة الـ7.
ويعكس التاريخان موقفًا حاسمًا لبريطانيا ضد صادرات الطاقة الروسية (على الصعيد الرسمي)، غير أنه عادةً ما تحمل الصراعات الجيوسياسية كواليس أخرى غير معلنة، وربما تصاب بالصدمة إذا علمت أن بريطانيا أنقذت النفط الروسي فعلًا طوال العاميين الماضيين، رغم الملاحقة العلنية والعقوبات.
عقوبات هزلية
لاحقت بريطانيا وأميركا -على وجه الخصوص- النفط الروسي منذ اللحظات الأولى التي أعقبت غزو كييف، وسارت على نهجهما طوال عام 2022 دول الاتحاد الأوروبي وبقية دول مجموعة الدول الـ7 وأستراليا، وشرعت كبريات شركات الطاقة في التخارج من المشروعات في موسكو.
وبشكل خاص، استهدفت بريطانيا إنهاء اعتمادها على خامات موسكو، وتبنّت الحكومة هذا الاتجاه عبر توسعات للطاقة النووية والمتجددة في بعض الأحيان، وعودة للفحم في أحيان أخرى.
كان هذا ما يطفو على السطح ويظهر في المواقف الرسمية محليًا ودوليًا، غير أن ممارسات أخرى كشفت دور بريطانيا في فك الحصار عن خامات موسكو، وفق ما نشره الموقع الإلكتروني للمجلة الأسبوعية المحلية نيو ستيتسمان (New Statesman).
وربما تكون هذه الكواليس غير الرسمية هي التفسير الأبرز لأرقام صادرات الطاقة الروسية القوية، خاصة النفط، إذ تكشف حجم انخراط بريطانيا المثير للجدل في ممارسات تجعل من العقوبات العالمية مجرد مسرحية هزلية تتلاعب بأسواق الطاقة.
أدلة الاتهام
لم يكن تورّط بريطانيا في حماية النفط الروسي مجرد اتهام مرسل، إذ تعددت الدلائل على ذلك، حتى وإن لم يُفصَح عنها رسميًا، وفي النقاط التالية تستعرض منصة الطاقة خطوات لندن لضمان استمرار تدفق خامات موسكو، وكيف أسهمت الدولة الأوروبية البارزة في إنعاش خزائن الكرملين بعائدات أسهمت باستمرار الحرب:
1) مرور مرن:
كانت الشاحنات المحملة بإمدادات النفط من موسكو تمرّ بسلاسة عبر مضيق دوفر، الذي يفصل بريطانيا عن بقية دول القارة.
وتمرّ الناقلات عبر المضيق البريطاني يوميًا، وعادةً ما تكون مُحمّلة بشحنات النفط الخام والمشتقات المنطلقة من موسكو إلى مصافي التكرير في كل من: تركيا، والهند، والصين.
ولم تواجه ناقلات النفط الروسي أيّ مضايقات، بل تمرّ تحت أعين القوات البحرية دون أيّ محاسبة.
2) حجم التأمين:
بصورة محددة، قدّمت شركات التأمين البريطانية لخامات موسكو مالم يقدّمه غيرها، إذ أمّنت أندية الحماية والتعويض في لندن شحنات الخام والمشتقات الروسية بما يزيد عن 120 مليار يورو (130 مليار دولار أميركي تقريبًا)، منذ اندلاع حرب أوكرانيا حتى الآن.
(اليورو = 1.08 دولارًا أميركيًا)
ودفع ذلك نحو تحول المملكة المتحدة إلى "أكبر شركة تأمين عالمية" على إمدادات النفط المنقولة بحرًا من روسيا، وفق بيانات تحليلية لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف "سيرا".
وكشف التحليل أيضًا أن تجارة النفط في روسيا تعتمد بصورة كبيرة على ناقلات مؤمنة في بريطانيا، إذ حملت هذه الناقلات ما يعادل "ثُلث" صادرات الطاقة من موسكو منذ فرض عقوبات السقف السعري نهاية عام 2022.
وأولت بعض الشركات البريطانية اهتمامًا خاصًا بشحنات الخام الروسي المنقول بحرًا بمعدل يفوق غيرها، إذ أمّن نادي غرب إنغلاند للتأمين والتعويض (West England P&I Club) وحده شحنات النفط من موسكو بما يزيد عن 20 مليار يورو منذ فبراير/شباط 2022.
ويقارن الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- بين حجم صادرات النفط الخام والمشتقات من روسيا، عامي 2022 و2023:
3) فساد إداري:
وفق تعليمات مجموعة الـ7، يتعين على شركات الشحن المسؤولة عن ناقلات النفط الروسي تزويد شركات التأمين بوثائق التزامها بالسقف السعري المحدد بنحو 60 دولارًا لبرميل النفط الخام و100 دولار لبرميل البنزين أو الديزل.
ويبدو أن هذه التعليمات كانت مجرد افتراضات هزلية كالعقوبات، إذ أظهرت نتائج تتبع 300 ناقلة انطلقت من الموانئ الروسية خلال الربع الثالث من 2023 (من سبتمبر/أيلول حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني) أن 137 ناقلة قدّمت لشركات التأمين ما يفيد بالالتزام بالسقف السعري.
وجاء ذلك رغم ارتفاع سعر برميل الخام الروسي في هذه الآونة إلى ما يزيد عن 80 دولارًا للبرميل.
وواجهت شركات التأمين البريطانية اتهامًا بدعم صادرات النفط من موسكو، إذ لم تتبيّن من مصداقية وثائق الأسعار المقدمة من شركات الشحن.
4) الترسيخ لأسطول الظل:
قدّمت بريطانيا وعدد من شركات لندن دعمًا غير محدود لناقلات أسطول الظل المحملة بشحنات النفط الروسي، شمل هذا الدعم خدمات قانونية وإدارية.
ولجأت روسيا فور بدء ملاحقتها بعقوبات أوروبية وأميركية إلى وسائل نقل مختلفة لشحناتها، ولم يكن هناك أفضل من أسطول ناقلات مجهول الملكية الحقيقية، لكنه منسوب لوسطاء غير موسكو، ووصل عدد ناقلات هذا الأسطول إلى 560 ناقلة بسعة 80 مليون طن.
وطبقًا لمعلومات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة، سهّل محامون وسماسرة وشركات تأمين بريطانية عملية تسجيل هذه الناقلات وشركات الشحن المسؤولة عنها، في بنما وجزر مارشال وغيرها.
واعترف الشريك الإداري لشركة الشحن البريطانية أفينتي شيبينغ (Affinity Shipping)، ريتشارد فولفورد سميث، بأن صناعة الشحن جنت أرباحًا إضافية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات عبر نقل ملكية الناقلات القديمة لشركات مستحدثة تتخذ من دبي وهونغ كونغ مقرًا لها.
وبجانب ذلك، باع سماسرة بريطانيون عددًا ضخمًا من الناقلات إلى الشركات الوسيطة المدعومة من روسيا، بدعم من شركات محاماة وتأمين محلية، عبر ما يسمى بنظام حجب الملكية.
5) غياب المساءلة:
دعمت الحكومة البريطانية صادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا، عبر الفصل التام بين ممارسات شركات المحاماة والتأمين والسمسرة، وبين موقفها الرسمي المعلن المنحاز للعقوبات.
وعلى الصعيد الرسمي، التزم مسؤولون في الحكومة الصمت حيال مرور ناقلات النفط الروسي يوميًا في القنوات والمضائق البريطانية، من بينهم وزير الشحن المُعيَّن في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بايرون ديفيز، بعد أن كان يأخذ على عاتقه مهاجمة الكرملين.
ويبدو أن مساءلة شركات المحاماة والسمسرة والتأمين البريطانية لم تكن بالأهمية ذاتها، مقارنة بالمساعي الحكومية لحصار سياسات روسيا سياسيًا وماليًا.
6) تعريض البلاد لكارثة بيئية:
لم تكن حماية بريطانيا لصادرات النفط الروسي قاصرة على "الصمت" عن ممارسات الشركات، بل امتدّت إلى الصمت عن احتمالات تعرّض البلاد لكارثة بيئية، وهي تكهنات أثارتها البرلمانية سالي آن هارت -ديسمبر/كانون الأول 2023- حول احتمالات وقوع تسرب نفطي.
وتزيد حدّة هذه المخاوف بالنظر إلى عمر الناقلات من طراز أفراماكس والمحملة بنحو 700 ألف برميل، إذ تتهرب ناقلات أسطول الظل عادةً من المراقبة والتواصل مع غيرها لتسهيل التسليم من سفينة لأخرى، أو التهرب من العقوبات.
ولم تبدِ الحكومة البريطانية اهتمامًا بمخاطر تعرُّض البلاد لكارثة بيئية جراء احتمالات وقوع تسرب من ناقلات النفط الروسي المتهالكة، خاصة إذا كان المواطن دافع الضرائب سيتحمّل تداعيات هذه الحوادث حال عدم تمتُّع الناقلات بغطاء تأميني.

موقع الطاقة


 

مواضيع ذات صلة :