مجتمع مدني نُشر

"منارات" يدشن موسم ( التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ودورها في بناء السلام)

نظم المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل "منارات" يوم الثلاثاء الحلقة السادسة من موسمه الفكري المنعقد تحت عنوان (دور المرأة في تحقيق السلام والتنمية المستدامة )

"منارات" يدشن موسم ( التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ودورها في بناء السلام)

حيث ألقت الباحثة فاطمة علي الصلوي مدير سيدات الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة ورقة عمل حملت العنوان نفسه أكدت فيه على أن المرأة اليمنية تمتلك كافة عناصر النجاح الأزمة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب انطلاقا من إلمامها الكامل لحقيقة الواقع المعاش، وإدراكها لمعطيات البيئة المحيطة واستيعابها لضرورة ومقتضيات تجسيد الأهداف المنشودة لحقيقة واقعية ملموسة باعتبارها الأقرب لكل فرد من أفراد أسرتها، وهي الملامسة لاحتياجاتهم والحالمة لتحقيق آمال وتطلعات مكونات مجتمعها المحيط، قال الله تعال على لسان هدهد سليمان يتحدث عن مملكة سبأ ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) سورة النمل الآية (23).

وقال سبحانه وتعالى على لسان بلقيس ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ) سورة النمل آية (32)، وبذلك هي أول من وضعة قواعد الحكم الشورى، وأكدت الملكات والسمات والمزايا الخاصة التي تفردت بها المرأة اليمنية التي تمارس دوراً بارزاً في حياة مجتمعها ريفاً وحضراً، وما لهذا الدور من تأثيرات إيجابية فاعلة في حياتها وحياة أسرتها وحياة المجتمع، مضيفةً أنه من الملاحظ في وقتنا الحاضر كيف تم تغييب دور المرأة وما أصبحت عليه الآن، وكيف تحول أدوار المرأة في المجتمع من الدور القيادي إلى تغييبها وتهميش دورها في المجتمع وأنها لم تعد تحصل على أي دور قيادي وأنها إذا تواجدت في مناصب عليا لا تعطى صلاحية اتخاذ القرار ابتداء من الأسرة والبيت الى حضورها في المجتمع. 

مشيرة إلى أنه ومن خلال ما تمر به البلاد من ظروف صعبة أدت إلي ظهور المرأة اليمنية من خلال ما تبذله من جهود في الجانب الاقتصادي الأبرز إذ تعزز باضطلاعها بتأمين كل احتياجاتها اليومية واحتياجات أسرتها المعيشية ودخلت سوق العمل من أوسع أبوابها في ظل تبادل الأدوار بينها وبين رب الأسرة أو المعيل فقد غدت أغلب السيدات هن من تعول أسرتها لضعف قدرة رب الأسرة أو لغيابه أو فقدانه لسبب أو لآخر، وهكذا ظهرت المشاريع الاقتصادية النسائية في مختلف أنشطة بيئة الأعمال المحلية، ومن هنا نبدأ التركيز على التغيرات التي أثرت على دور المرأة بعد خروجها للعمل.

معرفةً التمكين  بأنه  زيادة القدرة الروحية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمجتمعات، والمرأة على وجه الخصوص ومنها التمكين الاجتماعي والذي يحتوي على مجموعة من الممارسات ؛ أهمها زيادة نسبة مشاركة المرأة والرجل في القضايا المجتمعة مع تفعيل دورهما في ترقية وتطبيق القيم والمبادئ الايجابية على مستوى الأسرة والمجتمع بما يدعم تعزيز العلاقات بين الأفراد والمجتمع بكافة شرائحه وطبقاته   من اجل التنسيق لرفع مستوى الوعي للقضاء على كافة أشكال التمييز و العمل على توفير الخدمات التي تساعد على إحداث التوازن بين أدوارهما .

الأمر عينه ينطبق على التمكين الاقتصادي والذي يعني التوزيع النسبي لكل من الرجل والمرأة في الوظائف الإدارية والتنظيمية والمهنية، والتوزيع بينهما  في  ذلك الدخل المكتسب، والأجور النسبية للإناث مقارنة بالذكور، وعادلة في توزيع الموارد لكلا من الجنسين وتشجيعهما لامتلاك المشاريع الخاصة.

أما من ناحية التمكين السياسي فقد أضافت الباحثة فاطمة الصلوي أنه يقاس بحسب المشاركة السياسية  لكل من الرجل والمرأة من خلال عدالة تمثيلهما في مواقع اتخاذ القرار، بما يمنحهم  حق المشاركة  في الفعاليات السياسية كالأحزاب، والنقابات، والاتحادات والمنظمات الأهلية وغيرها، وإطلاق حرية العمل السياسي والتوعية بحقوق الإنسان والحريات .

إلا أن الصراع الدائر في بلادنا منذ ست سنوات قد فرض  المزيد من القيود على مشاركة المرأة المنخفضة سلفاً في سوق العمل ، حيث أدى اندلاع العنف السياسي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد ساهم في الحد من قدرة النساء على القيام بأنشطتهن المعتادة ، وولد مخاوف مختلفة لديهن حد من الانخراط في الأنشطة التجارية والرغبة في ترك العمل.

تعيش اليمن في ظروف استثنائية بسبب تداعيات النزاعات والحرب التي أدت إلى تدهور جميع مؤشرات الاقتصاد الكلي خاصة مع فرض الحصار الجوي والبري والبحري قد أظهرت الأزمات الاقتصادية، حيث كانت النساء والأطفال الفئة الأكثر تضرراً باعتبارها الفئة الأضعف بين الشرائح السكانية فتحملت المرأة العبء الأكبر في هذه الظروف وتتفاوت الأضرار الاقتصادية التي تلحق بالنساء في ظل هذه الظروف الصعبة، وقد تبين أن تمكين النساء اقتصاديا ساهم في تحسين الوضع الاقتصادي والإنساني لهن ولأسرهن مما يسهم في تماسك المجتمع.

 مشددةً في نهاية ورقتها على ضرورة البحث في سبل تمكين المرأة في الأهداف الألفية للتنمية المستدامة وعلى رأسها القضاء على الفقر ، وضمان تمتع الجنسين بكافة الحقوق القانونية والسياسية والاجتماعية ومضاعفة الإنتاجية وتعزيز استخدام التقنية ووسائلها الحديثة في الحصول على أفضل الخدمات الصحية والاجتماعية.

    ووسط حضور نسائي نوعي ومكثف لسيدات أعمال وناشطات حقوقيات ؛أكدت أستاذة الإدارة بجامعة صنعاء رئيس مجلس سيدات  الأعمال المعروفة د.نجاة جمعان أن لتحديات سوق العمل المدفوعة بالنزاع آثار متعددة الأوجه وبالغة الصعوبة على النساء، حيث تشير الدراسات المتوفرة إلى أنه في البداية أثرت الحرب على النساء في القوى العاملة أكثر من الرجال،  بينما انخفضت عمالة الإناث بنسبة 28%، بسبب تضرر القطاع الخاص بشكل مباشر.

وكانت الشركات المملوكة للنساء أكثر تضرراً من الشركات المملوكة للذكور، بالرغم من أن عدد الشركات المتضررة  في قطاعات التجارة والخدمات والصناعة  بين الشركات المملوكة لسيدات أعمال، وذلك بسبب الأضرار المادية المباشرة التي سببتها الحرب، إضافة لفقدان رأس المال ونقص الكهرباء والوقود، بالإضافة إلى الوصول إلى الحسابات المصرفية.

مضيفةً في سياق حديثها أنه مع تواصل الحرب، أدت إلى بعض الزيادات في عمالة النساء، فقد أدى النزاع إلى ارتفاع كبير في عدد الأسر التي تقودها النساء؛ لفقد كثير من الرجال دخلهم بسبب النزاع القائم، وفي بعض الحالات أصبحت المرأة هي المعيل.

مشيرةً إلى أن الحرب  أدت إلى اضطرار عدد كبير من النساء تحت ضغط الحاجة المادية إلى بدء مشروعات جديدة، غالباً ما تكون أعمالا منزلية مثل إنتاج الطعام في المنزل ، أو بيع الملابس والإكسسوارات ، ولقد تمكن أولئك الذين أسسن مشاريع ناجحة من دعم أقاربهن بدخلهن، وقد دفع تدفق التمويل الإنساني لليمن إلى التوظيف في قطاع المساعدات الإنسانية، فمن الملاحظ أن النساء يعملن في المنظمات غير الحكومية المحلية أكثر من الرجال ، كما شاركت النساء في توزيع المساعدات الإنسانية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات وإدارة المشاريع المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي وتعزيز النظافة الشخصية في تجمعات النازحين وغيرها ، فضلاً عن توفير الدعم النفسي والتدريب الموجه نحو سبل العيش والتوعية بشأن الصحة والتعليم.

موضحةً أن  كثيرا من النساء والفتيات- جنحن أثناء النزاع إلى المهن الدنيا، مثل العمل كنادلة أو بائعة تجزئة أو عاملات منازل، رغم القيود الاجتماعية والثقافية.

   وحذرت الباحثة جمعان في سياق حديثها ، من خطورة  دفع القتال النساء إلى آليات التأقلم السلبية، بما في ذلك الاستدانة والتسول وغير ذلك من الممارسات المهينة للمرأة كما  ارتفع زواج الأطفال " الزواج المبكر" بشكل ملحوظ ومتزايد ، حيث لجأت الأسر إلى تزويج بناتهن في وقت مبكر؛ لتأمين مدفوعات المهر وعدم تكلف الاعتناء بهن ؛ بالإضافة إلى  ارتفاع معدل العنف القائم على النوع الاجتماعي ؛ كما أُجبرت بعض النساء على الأعمال الشاقة غير الرسمية ذات الأجور المتدنية، كتنظيف المنازل، وجمع الحطب وغسيل الملابس.

    وفي ختام حديثها أكدت الدكتورة نجاة ؛ إن  إعاقة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في اليمن ستستمر ما لم يتم إعادة التوازن وتجاوز حالة اللامساواة القائمة على النوع الاجتماعي في القوى العاملة بالبلاد، مشددة على أن  أولوية القوى السياسية العاجلة والملحة هي التسوية السياسية لإنهاء النزاع، وبعد ذلك، يجب بذل كل الجهود للحفاظ على أي مكاسب إيجابية في معدلات توظيف النساء التي سمحت بها الحرب وتوسيعها، ومع ذلك فإن المكاسب طويلة الأمد ستتطلب تحولاً اجتماعياً وثقافياً واسع النطاق لضمان حصول جميع النساء اليمنيات على فرصة المشاركة في النشاط الاقتصادي، والأعمال المثمرة والتي تحقق دخلا مناسبا، بما يضمن عدم الامتهان وحفظ الكرامة الشخصية وحقوق المرأة العاملة.

    شهدت الفعالية الكثير من المناقشات من سيدات أعمال وباحثات اجتماعيات حيث أكدت سيدة الأعمال المعروفة/ فتحية المحويتي على أن  التعافي الاقتصادي العام وإعادة بناء البنية التحتية شرطين مبدئيين لتحسين مشاركة المرأة في القوى العاملة، كإشراك النساء في تنظيم المشاريع، أو زيادة فرص الحصول على تمويل متناهي الصغر أو تشجيع الأعمال المنزلية، معتمداً على ضمان وجود سوق لاستيعاب إنتاجهن.

مشددةً على أنه لا ينبغي استخدام دور النساء كمقدمات للدعم الإنساني، كوسيلة لتحقيق غاية مؤقتة تنتهي بزوال الظرف ، بل كفرصة لتدريب النساء وتمكينهن ، بل يجب أن تكون المبادرات الاقتصادية؛ لإشراك المرأة في القوى العاملة مصحوبة بجهود حقيقية لمعالجة الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والوصمات الثقافية التي قيدت مشاركة المرأة، وتقف عائقاً أمام تمكينها الاقتصادي والاجتماعي.

 من جانبها وجهت الأستاذة هدى المهدي، مدير عام إدارة المرأة في وزارة التربية والتعليم، الدعوة لرجال المال والأعمال استيعاب حاجة السوق المحلية من العديد من المنتجات التي تجود بها مرامز الأسر المنتجة المؤهلة لتقديم الكثير من السلع للسوق، مؤكدة في مداخلتها أن  تأثير الصراع على عمالة النساء مختلفاً تماماً  عما كان عليه قبل العام ٢٠١٥م، ولذلك يجب أن تلعب المرأة دوراً نشطاً على مستوى صنع القرار وفي جهود بناء السلام وعلى المستوى السياسي في اليمن بعد انتهاء الصراع القائم، بما يضمن تمكينها من تشكيل مجتمع مستجيب للمشاركة الكاملة للمرأة، بما في ذلك القوى العاملة، وصياغة وتنفيذ سياسات تراعي فوارق النوع الاجتماعي التي فرضتها الثقافة الاجتماعية والموروث الديني.

  هذا وقد كانت أكدت مديرة الندوة الدكتورة نوال حمود علي -عضو مجلس الأمناء بمركز" منارات"  أن المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل "منارات" يهدف من خلال هذا الموسم الخاص بمناقشة فرص وتحديات تمكين المرأة اليمنية اقتصاديا واجتماعياً إلى تسليط الضوء على واحدة من أهم المشاكل الاجتماعية الاستثنائية التي أفرزتها الحرب خلال ست سنوات مضت.

وفهم  كيفية تأثير الحرب والحصار الراهن في بلادنا على مشاركة المرأة في سوق العمل، وتمكينها الاقتصادي وتعزيز حقوقها السياسية ومكانتها الاجتماعية ومساهمتها في الناتج الإجمالي، حيث وجد المختصين في المركز أن الصراع  الطويل قد دفع كثير من النساء إلى سوق العمل في صور جديدة ومختلفة من جهة، وفقدت الكثير من العاملات في القطاع العام والخاص وذوات المشاريع الصغيرة وحتى سيدات الأعمال  الكثير من مصادر دخلهن ووظائفهن من جهة ثانية، ووجدن أنفسهن حبيسات البيوت في ظل ظروف جديدة أنتجتها الحرب ، في بعض الحالات، بدأت المرأة تعمل في مهن لا تتناسب مع ظروفها الاجتماعية والجسدية، حيث لجأن البعض  إلى ممارسة أعمال بدنية شاقة متدنية الأجور استجابة للأزمة الاقتصادية أو بسبب فقدان الرجل المعيل.

   الأمر الذي شكل ظاهرة اجتماعية جديرة بالدراسة والبحث ، على الأقل للخروج بمجموعة توصيات قائمة على أسس بحثية ومنهحية تساعد على التقليل من التأثير السلبي للحرب والصراع على المرأة اليمنية ودورها الفعال في الأسرة والحياة الاجتماعية ، و تعزيز قدرة المؤسسات الحكومية والخاصة على اعتماد سياسات وتشريعات  مراعية لمنظور النوع الاجتماعي والحفاظ على النسيج الاجتماعي وتماسكه، من خلال تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة، لبناء مجتمع قوي ومتماسك قادر على مواكبة التغيرات المستجدة، وتعزيز تماسك الأسرة، وضمان استمرارية تكامل الأدوار الاجتماعية بين أفرادها، لبناء جيل ومجتمع متلاحم ومزدهر، يحترم ويشجع ويبني قدرة المرأة على مواجهة التحديات والظواهر الاجتماعية المستجدة على المجتمع اليمني وترسيخ القيم التي تؤصل للهوية الوطنية والمبنية على لغة التسامح والحوار لدى المرأة، إضافة إلى توفير مقومات الحياة الكريمة والرفاه الاجتماعي بأسس معيارية تعزز فرص المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد إطار تشريعي ومؤسسي داعم للمرأة، يتماشى مع أفضل الممارسات في مجال تمكين المرأة، ويتوافق مع التزامات بلادنا بالمواثيق والمعاهدات الدولية، إضافة إلى رفع مستوى مشاركة المرأة كماً ونوعاً في مختلف المجالات، ونسبة تمثيلها في مواقع السلطة وصنع القرار.


 

مواضيع ذات صلة :