جدل وتحقيقات نُشر

لماذا يعتقد مهندس سوق البورصة بأنها ستجلب الاستقرار؟

يبدو السيد جلال يعقوب وهو يتحدث عن إنشاء سوق للبورصة في اليمن كمن يؤذن في مالطا. فالرجل الذي يوصف بلقب رجل الإصلاحات الاقتصادية نتيجة انجازه لوثيقة الإصلاحات التي سلمتها الحكومة اليمنية للوكالة الأميركية للتنمية أواخر ابريل 2007 ما يزال متحمساً بنوع من المقامرة ، لإطلاق سوق للأوراق المالية خلال عام فقط من الآن.
لننسَ أمر الشفافية المفقودة لدى الشركات الخاصة والحكومية، ولنتحدث عن رحلة وكيل وزارة المالية ومهندس سوق البورصة جلال يعقوب ، للوصول إلى سوق الأسهم مهما كانت النتيجة.
ففي مارس 2008 كان يعقوب وهو مدير مشروع سوق البوصة في اليمن، يتحدث عن ذلك السعي الحثيث لإطلاق السوق المالية التي تأخرت منذ الإعلان عنها رسميا أكثر من 4 سنوات وعن أن هذه السوق ستنطلق نهاية العام 2009، قال يعقوب حينها إنه سيتم اختيار 9 شركات حكومية لتنفذ متطلبات (الحوكمة) تمهيدا لإدراجها في سوق الأوراق المالية.
كل ذلك الحماس الذي تحرك به يعقوب أمر جيد، لكن ما ليس جيداً هو الاستماتة في إطلاق التصريحات و الوعود التي لا تراعي الدقة. ويبدو الرجل مدركاً لحساسية التأسيس لبورصة تفتقد إلى المصداقية في موعد إطلاقها ، فكيف إذا سيكون مستوى التزامها للعملاء؟!.
هل تتذكرون ما قاله مهندس البورصة في الـ 15 من يناير الفائت عن موعد البورصة. لقد قال يومها: «وقعنا لتونا مذكرة تفاهم مع بورصة عمان. الأردنيون ساعدوا دولا كثيرة في إنشاء أسواق أسهم. سيأتون إلى صنعاء في نهاية الشهر لإطلاق المشروع».
لكنهم أتوا بعد شهرين، ولم يبرر الرجل سبب تأخرهم طوال هذا الوقت وهو ما يقود إلى احتمال ترحيل مشروع هذه السوق ، وتأخر إطلاقها أكثر مما يظن.
والحقيقة أنه ما من بورصة يمكن لها أن تنطلق في بلد ينتهج العشوائية الاقتصادية ، وتفر مؤسساته من فكرة اعتماد الشفافية، وتنشط فيه عدد من الشركات التي لا تفصح عن أسماء ملاكها المنضوين في الباطن.
إن فكرة قيام سوق بورصة في اليمن لا تأتي لمجرد أن صاحب الفكرة لديه الطموح لذلك. فالبورصة ببساطة تعني الشفافية، والشركات في اليمن لا تحب الإفصاح عن أرباحها الحقيقية على الإطلاق.
لننظر إلى ما لدينا بالضبط .. معظم أقسام الحسابات في اليمن (في القطاعين) ما تزال دفترية وهو نظام أصبح في ذمة التاريخ اليوم، وبقية الحسابات تتخذ أنظمة محاسبية متخلفة ومتباينة ومنها ما هو غير متطور أيضاً، ولكي نصل إلى سوق للمال يجب علينا توحيد الأنظمة المحاسبية في كل الشركات التي ستعرض أسهمها تحت تداول السوق.
وبعيداً عن التشاؤم، تبدو المسافة طويلة جداً من ( وول ستريت) إلى صنعاء، بيد أن الحكومة تهرول نحو إطلاق سوق للأسهم خلال عام، تكراراً لتلك المغامرة ذاتها التي فشلت في تحقيقها وهي تهرول نحو الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ، تاركة وراء ظهرها إصلاحات اقتصادية أهم تحتاجها اليمن بشدة.
كل ذلك ليس سوى رهانات مستحيلة لتحقيق منجز داخل فقاعة ، فلا يمكن إنشاء بورصة لاجتذاب الاستثمارات الخليجية في ظل بيئة يجري تصنيفها حتى الآن ضمن الاقتصادات غير الآمنة، حتى لو تم تطميننا بأن البورصة المزعوم إنشاؤها هي مشروع مشترك مع الأردن. قد يكون ملهم هذه السوق هو جلال يعقوب ، وقد يكون الأخير قادراً على الإقناع بشكل جيد حين يقول: «لا نرى أن ذلك يخرج عن السياق. هذا مناسب جدا لحالتنا. سيتشكك الناس بالطبع إذا نظروا إلى الأمر على أنه مجرد إنشاء سوق للأسهم ولكننا نراه في إطار خطة إصلاح.. فلنبدأ فيها.»
لكنه يفكر بخيالية شاعر ما دام مستميتاً على هذا النحو، وهو ابتعاد عن النظرة الواقعية ،التي جعلت العالم لا يتوقف عن تحذيرنا بفداحة ما ستصل إليه الأمور.
ما هو مربك بالفعل هو اندفاع الرجل نحو الاعتقاد المؤمن بأن وجود بورصة في اليمن ستساعد على جلب الاستقرار في أبعد المناطق التي تغيب عنها التنمية والبنى التحتية وأولويات الاستقرار.
قد تكون قناعة يعقوب اقرب إلى أن الرجل يتحدث عن المريخ، وليس عن أكثر المناطق المهملة خارج أجندة المستقبل، انه يقول: «خذ مثلا مأرب وشبوة كمنطقتين منتجتين للنفط. بعض الأفكار قد تكون طرح أسهم في بعض المناطق النفطية ثم بيع بعض تلك الأسهم بسعر مخفض للمواطنين في مأرب وشبوة»
في إشارة يعقوب تلك لما ستستوعبه البورصة ، فإن احتمالات غير مريحة يمكن استنتاجها لإمكانية التحقق.على الأرجح لن يكون الاستقرار آخرها، مهما أكد لنا أن الناس سيكون لديهم حينئذ اهتمام بالاستقرار. سيشاركون في المسؤولية.

عن مجلة الاستثمار


 

مواضيع ذات صلة :