الأخبار نُشر

التضخم «محاصر» بين تفاؤل أميركي وإصرار أوروبي

وسط مؤشرات واسعة النطاق على تراجع التضخم العالمي خلال الأشهر الأخيرة، قالت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأميركية، إن هناك مؤشرات مشجعة بشأن التضخم في الولايات المتحدة، رغم استمرار قوة سوق العمل الأميركية، في ظل تراجع أسعار الطاقة وتحسن أوضاع سلاسل الإمداد في مختلف أنحاء العالم.

التضخم «محاصر» بين تفاؤل أميركي وإصرار أوروبي


ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء عن يلين القول: «نرى تراجعاً كبيراً في مشكلات سلاسل الإمداد، مع تكوين المخزونات وتراجع تكاليف الشحن… وبالتالي فإن جزءاً من مسببات التضخم لم يعد يساهم بشدة».
وأظهر كثير من مقاييس التضخم مؤشرات مشجعة خلال الأسابيع الأخيرة؛ منها التراجع في مؤشر أسعار المستهلك، ليسجل في العام الماضي بأسره حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، 6.5 بالمائة، مقابل 9 بالمائة، عندما وصل إلى ذروته في يونيو (حزيران) الماضي. كما تراجعت أسعار المنتجين (الجملة) بأسرع من التوقعات.
وأضافت يلين أن أسعار السلع تراجعت أواخر العام الماضي، وأنها تتوقع تراجع معدل تضخم أسعار المساكن بحلول منتصف العام الحالي. يأتي ذلك في حين أظهرت دراسة لجامعة ميشيغان الأميركية، ونشرت في وقت سابق من الشهر الحالي، تراجع توقعات التضخم في الولايات المتحدة على المدى القصير في بداية يناير (كانون الثاني) الحالي، إلى أدنى مستوياتها في نحو عامين، ما يقدم دفعة أكبر من المتوقع لمعنويات المستهلكين.
وأظهرت الدراسة أن من شملتهم قالوا إنهم يتوقعون أن ترتفع الأسعار 4 بالمائة على مدار العام الحالي، وهي الأقل منذ أبريل (نيسان) عام 2021. وارتفع مؤشر المعنويات إلى أعلى مستوى في 9 أشهر عند 64.6 نقطة، مقابل 59.7 نقطة في نهاية العام الماضي، متجاوزاً كل توقعات المحللين.
ويتوقع المستهلكون ارتفاع التضخم بنسبة 3 بالمائة على مدار الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة، في زيادة طفيفة على الشهر السابق. ويراقب مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عن كثب، وجهات النظر بعيدة المدى، إذ يمكن أن تتحقق التوقعات بحد ذاتها، وتؤدي إلى ارتفاع التضخم.
وكانت بيانات صدرت الخميس الماضي، قد أظهرت أن معدل التضخم الأميركي واصل اتجاهه الهبوطي في ديسمبر الماضي، ما يضيف دليلاً على أن الضغوط السعرية قد وصلت إلى ذروتها، ويقدم المجلس الفيدرالي هامشاً لإبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة الشهر المقبل.
وعلى الجانب الأوروبي، أعلنت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، الاثنين، أنّ المؤسسة النقدية تعتزم المضي قدماً في رفع أسعار الفائدة «بوتيرة ثابتة»، لمكافحة التضخّم الذي لا يزال مرتفعاً جداً في منطقة اليورو.
وقالت لاغارد، خلال حفل استقبال لمشغّل بورصة فرنكفورت: «لا يزال يتعيّن على البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة بشكل كبير وبوتيرة ثابتة، للوصول إلى مستويات تقييدية كافية»، و«البقاء في هذه النقطة ما دام ذلك كان ضرورياً».
وفي أقلّ من 6 أشهر، رفع البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة الرئيسية بـ0.25 نقطة مئوية، في أعلى زيادة بتاريخه. وأوضحت لاغارد: «علينا خفض التضخم وسنحقق هذا الهدف».
وذكّرت لاغارد بما قالته في منتدى دافوس الأسبوع الماضي، بأنّ التضخم حالياً في أوروبا «مرتفع جداً»، وتابعت أن «هذا يبرر جزئياً بسبب ضعفنا أمام تطور الواقع الجيوسياسي للطاقة».
واعتبرت أنّ «الانفصال عن روسيا العام الماضي» منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا «دفع بالتضخم في مجال الطاقة بمنطقة اليورو إلى مستويات غير عادية»، مما تسبب بارتفاع معمّم للأسعار بأكثر من 10 بالمائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي الوقت الذي انخفض فيه تضخم أسعار الطاقة مؤخراً، استمر التضخم الأساسي – باستثناء أسعار الطاقة والغذاء – في الارتفاع.
وخلصت لاغارد إلى أنه «بالتالي، من الضروري ألا تتجذر معدلات التضخم فوق هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 بالمائة في الاقتصاد». وعملياً، سيرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في فبراير (شباط) المقبل، وعلى الأرجح في الأشهر التالية. وقالت لاغارد: «بعبارة أخرى سنستمر في نهجنا لضمان العودة السريعة إلى هدفنا» البالغ 2 بالمائة، في حين أنّ تراجع القدرة الشرائية الناجمة عن ارتفاع الأسعار بات مصدر قلق رئيسياً للأوروبيين، مشيرة إلى أن الاجتماعات المقبلة لمجلس محافظي البنك ستشهد زيادات كبيرة في أسعار الفائدة.
يذكر أن سعر الفائدة الرئيسية في منطقة اليورو ظل لسنوات طويلة قريباً من صفر في المائة، لكن البنك بدأ زيادته بوتيرة سريعة خلال الصيف الحالي مع ارتفاع أسعار المستهلك بمعدلات قياسية. وبلغ سعر الفائدة حالياً 2.5 بالمائة. ودعمت تصريحات لاغارد موقف بيتر كازيمير، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، الذي انضم إلى معسكر الصقور في المجلس، والرافض زيادة الفائدة الأوروبية بمقدار نصف نقطة مئوية فقط، ويرى أنها زيادة أقل من المطلوب.
وقال كازيمير، محافظ بنك سلوفاكيا المركزي: «نحتاج إلى زيادتين للفائدة، بمقدار 50 نقطة أساس، إضافيتين… انخفاض معدل التضخم لشهرين متتاليين نبأ إيجابي، لكن لا يوجد سبب لإبطاء وتيرة زيادة الفائدة».
ومن ناحيته، قال يانيس ستورناراس، رئيس البنك المركزي اليوناني وعضو مجلس محافظي المركزي الأوروبي المعروف بدعمه لسياسة نقدية أقل تشدداً، إن «تعديلات أسعار الفائدة يجب أن تكون أكثر تدريجية، مع الوضع في الحساب تباطؤ النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، والوضع في الحساب الانتقال السلس للسياسة النقدية في كل دولة».

مواضيع ذات صلة :