الأخبار نُشر

هل تغرق المنطقة العربية في "التضخم المستورد" في ظل الاضطراب العالمي؟!

 في الوضع الاقتصادي الحالي قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي أن ليست لديه رفاهية التصرف ببطء واختار الضغط على المكابح.

هل تغرق المنطقة العربية في "التضخم المستورد" في ظل الاضطراب العالمي؟!

ويثير هذا النهج أخطار قيام مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي بإفراط في زيادة أسعار الفائدة، مما يؤدي إلى إغراق الاقتصاد في ركود أعمق مما هو مطلوب لترويض التضخم وكان الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة هذا العام بأسرع وتيرة منذ أربعة عقود.

لكن ماذا يعني استمرار رفع "الفيدرالي" الأميركي للفائدة للاقتصادات العربية، تحديداً تلك التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي؟، خصوصاً أن أسعار صرف العملات تشكل جزءاً مهماً جداً من اقتصاد أي دولة وكيف يمكن لدول المنطقة حماية اقتصاداتها من أخطار "التضخم المستورد" الذي قد ينتقل إلى الاقتصادات المحلية عن طريق السلع والخدمات الآتية من الخارج؟

لا يقتصر الأمر على سعر الصرف، فعندما تشارك البلدان في التجارة الدولية، فإنها تحتاج إلى ضمان أن تظل قيمة عملتها مستقرة نسبياً، كما تختار البلدان ربط عملتها لحماية القدرة التنافسية لسلعها وخدماتها المصدرة، مع الإشارة إلى أن العملة الأضعف مفيدة للصادرات والسائحين، بحيث يصبح شراء كل شيء أرخص، بالتالي ماذا يعني ذلك لتجارة المنطقة القائمة المقومة بالدولار الأميركي؟ أسئلة توجهنا بها إلى عدد من المحللين الماليين والاقتصاديين.

مواجهة التضخم

يرى المدير العام لشركة "سولت للاستشارات المالية" طارق قاقيش أن كلفة زيادة النفط وقضايا سلسلة التوريد والسيولة الهائلة في السوق والنزاع الأوكراني الروسي أدت إلى دفع التضخم إلى مستويات عالية في جميع أنحاء العالم وتسببت أيضاً في زيادة أسعار الوقود والمواد والأجزاء المستوردة، مما أسفر عن زيادة كلف الإنتاج المحلية وارتفاع أسعار السلع المنتجة محلياً.

وقال قاقيش إنه من غير الواضح كيف ستسير سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، لكنه يعتقد بأنه سيستمر في رفع أسعار الفائدة بوتيرة أبطأ وأضاف أنه من المرجح أن تكون أسعار الفائدة أعلى من 4.5-4.75 في المئة التي توقعها مسؤولو الفيدرالي في البداية خلال سبتمبر (أيلول)، لكنهم ربما يتخذون خطوات أصغر للوصول إلى هناك، وقد يعني ذلك، على حد قول قاقيش، رفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية أبطأ، وفي النهاية ربع نقطة.

وأشار إلى أنه من "المهم مراقبة الفيدرالي للتضخم الذي سيكون الدافع الرئيس إلى التباطؤ، والأهم إذا شهدنا ركوداً، فلن يكون أمام البنوك المركزية خيار سوى خفض أسعار الفائدة لإشعال اقتصاداتها".

وعن مخاوف المنطقة من "التضخم المستورد"، يتوقع المدير العام لشركة "سولت للاستشارات المالية" أن تكون هناك جهود دولية لمواجهة الارتفاعات في معدلات التضخم، منوهاً إلى أن التضخم لا ينعكس فقط على البلدان التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي، خصوصاً أن مناطق العالم بأسرها تشهد ارتفاعات وصفها بـ"المرعبة" في معدلات التضخم، لا سيما الدول الفقيرة، بالتالي التأثير سيكون عالمياً.

وقال قاقيش "سنشهد جهوداً عالمية على غرار تلك التي شهدناها عامي 2008 و2009 عندما انتهجت المصارف المركزية سياسة موحدة لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، واليوم نرى توجهاً مماثلاً بحيث تأخذ دول العالم منحنى موحداً، فمع رفع الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة تضطر دول العالم هي الأخرى إلى رفع الفائدة بسبب هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي.

وأضاف "على سبيل المثال عندما ينظر مستثمر إلى وديعة مقومة بالدولار الأميركي بعائد 3 إلى 4 في المئة مقابل خيار الاستثمار في أخرى مقومة بعملة ثانية تقدم عائداً أعلى بنسبة 4 إلى 5 في المئة، فسيتجه إلى وديعة الدولار فهو يراها أكثر أمناً"، موضحاً "عملياً تحاول الدول المحافظة على عملاتها المحلية وقوة هذه العملات وهو أمر مهم للغاية".

تداعيات قوة الدولار

ويعتقد المدير العام الإقليمي السابق للبنك العربي الأفريقي في دبي هيمنت جيتواني بأن الدولار الأميركي سيواصل صعوده، لكن ليس بالقوة التي شهدناها أخيراً متوقعاً أن يتباطأ هذا الصعود بعض الشيء.

وقال جيتواني إن "الفيدرالي" الأميركي يركز على رفع سعر الفائدة في محاولة لكبح التضخم الذي سجل 7.7 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول)، متراجعاً عن 8.2 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) في حين أن الهدف هو الوصول بالتضخم إلى 2 في المئة.

وأضاف أن هناك توقعات بأن يرفع "الفيدرالي" سعر الفائدة خلال اجتماعه الشهر المقبل بـ0.75 نقطة أساس، لكنه رجح رفعها بـ0.50 نقطة أساس، منوهاً إلى أن الأسواق ستكون أكثر سعادة بهذا القدر من الزيادة، مقارنة برفع الفائدة بـ0.75 نقطة أساس الذي قد يتسبب في ركود كبير بالاقتصاد العالمي.

ويرى أنه سيكون هناك مساران، واحد للتركيز وآخر لتحقيق الهدف، وهنا تكمن المشكلة، لكن ستكون هناك "وقفة"، "أعني بذلك أن الفيدرالي لن يتوقف عن رفع الفائدة وإنما سيقلل من معدل الرفع، فربما سترفع الفائدة الشهر المقبل بـ0.50 نقطة أساس، ومن ثم يصار إلى مراقبة التضخم وأرقام البطالة عملاً  بالتوجيه الذي يأخذ به الفيدرالي، وفي حال تراجعت هذه الأرقام فربما سيتجه إلى رفع الفائدة 0.25 نقطة، وهذا سيساعد الأسواق والاقتصادات في العالم.

وأضاف بالنظر للمنطقة، خصوصاً البلدان الخليجية التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي (باستثناء الكويت سلة عملات)، فإن البنوك المركزية هي من تقرر إن كانت سترفع الفائدة بالتزامن مع رفع "الفيدرالي" للفائدة وكذلك مقدار الرفع.

وأشار إلى أن معدلات التضخم منخفضة في دول الخليج مقارنة بالغرب، بالتالي البنوك المركزية في المنطقة قد لا تتجه إلى رفع الفائدة بمعدل الرفع الذي يقوم به الفيدرالي الأميركي، أما بالنسبة إلى الدول التي لا ترتبط عملاتها بالدولار، فيقول جيتواني إنها تعاني هي الأخرى ما سماه "حركة المرور الوحيدة"، أي إن عملات العالم تأثرت بقوة الدولار.

وأضاف أنه بالنظر إلى بعض الدول الأفريقية فهي تواجه معاناة كبيرة بسبب قوة الدولار وتراجع قيمة عملاتها، وكذلك الحال في بعض دول آسيا، بالتالي هناك عدد قليل من العملات في العالم التي تمكنت من الصمود في مواجهة الدولار الأميركي القوي اليوم.

وبسؤاله عن الركود، قال جيتواني "منطقة اليورو ربما دخلت فعلياً في ركود، أما الولايات المتحدة التي تنفي أنها تعيش حال ركود، فأعتقد بأنها إذا لم تكن دخلت الركود فإنها ستدخله مبكراً العام المقبل، وفي حال حصل ذلك فعلياً وبالنظر إلى الترابط بين مناطق العالم فستتأثر لسوء الحظ منطقة الشرق الأوسط بتداعيات هذا الركود".

التضخم المستورد

من جانبه توقع الخبير المصرفي في دبي حسن الريس أن يتجه "الفيدرالي" الأميركي إلى رفع الفائدة خلال اجتماعه المقبل في ديسمبر (كانون الثاني) ما بين 0.5 إلى 0.70 نقطة أساس وقال إن البنوك المركزية في الاقتصادات المرتبطة بالدولار الأميركي بالمنطقة ستتجه إلى رفع الفائدة بالتوازي لحماية عملاتها المحلية في حين أن الدول التي ترتبط عملاتها بـ"سلة عملات" ربما يكون أمامها خيار رفع الفائدة وقد لا تتجه لرفعها.

وبسؤاله كيف يمكن أن تحمي اقتصادات المنطقة المرتبطة بالدولار عملاتها، قال الريس إنه يخشى على المنطقة من "التضخم المستورد"، خصوصاً أن معدلات التضخم في المنطقة تبقى منخفضة نسبياً مقارنة بنظيرتها في الولايات المتحدة، حيث التضخم المرتفع هو الدافع الأساسي إلى رفع الفيدرالي سعر الفائدة في محاولة منه لكبح جماح التضخم. وأضاف أن رفع الفائدة يؤثر في قيمة عملة أي بلد، ولذلك عندما تصبح قيمة العملة قوية يمكنها إثارة التضخم.

وأوضح أن بلدان المنطقة قد تتجه إلى دعم السلع الأساسية والضرورية التي يمكن أن تتأثر بهذه الارتفاعات، وكذلك تنويع مصادر الاستيراد لهذه السلع والتحوط من ارتفاع الأسعار قبل أن تبدأ بالصعود.

وعن أثر استمرار رفع الفائدة على التجارة المقومة بالدولار، لفت الريس إلى أن ارتفاع الفائدة وقوة الدولار سيفيدان المستوردين وأن من سيتضرر هم المصدرون.

واستبعد أن يتجه "الفيدرالي" الأميركي إلى رفع الفائدة العام المقبل، قائلاً "برأيي الشخصي أن آخر ارتفاع سنراه الشهر المقبل"، وبرر ذلك، "لقد رأينا فعلياً أثر رفع الفائدة، بحيث بدأ معدل التضخم في الولايات المتحدة بالتراجع".

وتوقع مزيداً من التراجع في الأشهر المقبلة مما لن يستدعي أن يقدم "الفيدرالي" على مزيد من رفع الفائدة، وسيكون الهبوط "بالونياً" و"ليس حاداً"، وعندها سيتجنب الفيدرالي رفع الفائدة حتى لا يؤذي الاقتصاد ويخلق الركود.

وأشار إلى أنه بالنظر لكل التنبؤات القائمة، وفي ظل الوضع الاقتصادي القائم، أعتقد بأن يدخل العالم في ركود بنهاية الربع الثاني وبداية الربع الثالث من العام المقبل.

 

اندبندنت عربية


 

مواضيع ذات صلة :