اقتصاد عالمي نُشر

كورونا ترفع الدين العام العالمي إلى 89.6 تريليون دولار خلال 2020

ألقت جائحة كورونا بظلالها على الدول العالمية، وكبدتها خسائر فادحة، حيث ذكر التقرير النصف سنوي حول الماليات العامة لدول العالم، الذي صدر الخميس 28 يناير 2021م، أن الدين العام العالمي ارتفع خلال 2020 إلى 89.6 تريليون دولار.

وحسب بيانات وأرقام تقرير صندوق النقد الدولي "الراصد المالي"، بلغ نصيب الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 98 في المئة العام الماضي، مقارنة مع 84 في المئة خلال 2019، وتأتي الزيادة نتيجة إنفاق الحكومات على "دعم الاقتصاد" المتضرر من أزمة كورونا العام الماضي.

تباين الاقتصادات

يشير التقرير إلى أن الزيادة في الإنفاق، بالتالي في الدين العام وعجز الميزانيات، كانت أكبر في الدول المتقدمة مقارنة مع الدول الصاعدة والنامية، وبلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة العام الماضي 123 في المئة، مقابل 105 في المئة في 2019، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة في 2021 إلى 125 في المئة.

وعلى سبيل المثال، وكنموذج من دول الاقتصادات المتقدمة، ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي إلى 129 في المئة، ويتوقع أن ترتفع هذا العام إلى 133 في المئة، وذلك مقابل 108 في المئة خلال 2019.

ويرجع ارتفاع الدين العام ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة إلى أن تلك الدول لديها قدرة أكبر على الاقتراض من الأسواق، في ظل انخفاض معدلات الفائدة بشدة، بالتالي قلة تكلفة الاقتراض، وكذلك ثقة أسواق الدين في اقتصادات تلك الدول.

بينما أنفقت الدول ذات الاقتصادات المتقدمة أكثر على دعم كل قطاعات الاقتصاد المتضررة من أزمة كورونا، وكذلك لدعم العاملين والأسر للحفاظ على قدر من الإنفاق الاستهلاكي، وكان الإنفاق الحكومي في الدول ذات الاقتصادات الصاعدة والنامية مركزاً على قطاعات الصحة وإجراءات الوقاية والحد من انتشار الوباء.

ويؤكد التقرير أن الاقتصادات المتقدمة "سجّلت الزيادة الأكبر على الإطلاق في مستويات عجز المالية العامة والدين، بسبب ارتفاع الإنفاق وتراجع الإيرادات". وفي الأسواق الصاعدة يعود ارتفاع العجز أساساً إلى تراجع المتحصلات الضريبية نتيجة الركود الاقتصادي.

وفي البلدان المنخفضة الدخل، كانت استجابة سياسة المالية العامة أكثر محدودية، نظراً إلى قيود التمويل وبرامج الرعاية الاجتماعية الأقل تطوراً. ومن ثمّ فإن أزمة الوباء تنطوي على خطر ترك تأثير دائم في هذه البلدان، بما في ذلك ارتفاع مستويات الفقر وسوء التغذية.

الإنفاق واللقاح

وطالب صندوق النقد الدولي كل دول العالم باستمرار الإنفاق بقوة للحيلولة دون ضعف الاقتصاد، بحيث لا يمكنه الانتعاش من أزمة وباء كورونا، خصوصاً بعد السيطرة عليه في ظل تطوير اللقاحات والتوسع في تطعيم الملايين حول العالم بها.

وتحت عنوان "أهمية الدعم الحكومي في ظل تسابق البلدان على اللقاح" كتب فيتور غاسبار مدير إدارة شؤون المالية العامة في صندوق النقد الدولي على الموقع الرسمي للصندوق، "تتسارع وتيرة تفشي الجائحة في عديد من البلدان، كما زاد عدم اليقين حتى بلغ مستويات غير معتادة. ومن الضروري أن تتخذ الحكومات إجراءات حاسمة لضمان سرعة البدء في توفير اللقاحات على نطاق واسع، وحماية الأسر الأشد تعرضاً للمخاطر والشركات التي تمتلك مقومات البقاء، ودعم تحقيق تعاف دائم يشمل الجميع".

يذكر تقرير الصندوق حول المالية العامة أن "الدعم المالي العالمي للاقتصادات بسبب أزمة كورونا بلغ ما يقرب من 14 تريليون دولار مع نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020، وهو ما يمثل زيادة قدرها 2.2 تريليون دولار منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020. وتضمن ذلك 7.8 تريليون دولار في صورة نفقات إضافية أو إيرادات ضائعة (بنسبة أقل) و6 تريليونات دولار في صورة ضمانات وقروض وضخ رؤوس أموال".

وتفاوت حجم الدعم المقدّم عبر البلدان حسب تأثير الصدمات الناجمة من الجائحة وقدرة الحكومات على الاقتراض. ويشير التقرير إلى أنه في الاقتصادات المتقدمة، تغطي إجراءات المالية العامة عدة سنوات، وتتجاوز قيمتها 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021 وما بعده.

وفي المقابل، ركزت الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الجزء الأكبر من الدعم في بداية الجائحة، وسينتهي العمل بعديد من هذه الإجراءات قريباً. وقد اقترن هذا الدعم بانكماش اقتصادي نتج منه تراجع الإيرادات، ما أدى إلى ارتفاع مستويات الدين العام والعجز.

التحول الاقتصادي

وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن "هناك حاجة ماسة إلى التعاون الدولي من أجل إنتاج العلاجات واللقاحات اللازمة، وتوزيعها على نطاق واسع، لتصل إلى جميع البلدان بتكلفة منخفضة. وتعد اللقاحات سلعة عامة عالمية من شأنها إنقاذ حياة البشر والحفاظ في نهاية المطاف على أموال دافعي الضرائب في جميع البلدان. وكلما عجلنا بالقضاء على هذا الوباء العالمي، أمكن للاقتصادات العودة بشكل أسرع إلى مسارها المعتاد، وقل احتياج المواطنين إلى الدعم الحكومي".

وذكر التقرير أن على اقتصادات العالم أن تعمل من الآن، وبسرعة، على التجهيز للانتعاش من أزمة كورونا، وذلك بضخ الاستثمارات في عمليات التحول الاقتصادي نحو التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر والاستثمار في التكنولوجيا.

وفي مقالته على موقع الصندوق، حدد غاسبار عدداً من "الأولويات التي يتعين أخذها في الاعتبار ضمن سياسات المالية العامة"، وهي الاستثمار في النظم الصحية، بما في ذلك توفير اللقاحات، والتعليم والبنية التحتية. ويمكن للاقتصادات التي يتوافر لها حيز مالي كاف التنسيق في ما بينها من أجل إعطاء دفعة للاستثمارات العامة الخضراء بغرض دعم النمو العالمي. وينبغي أن تستهدف المشروعات، التي يفضل تنفيذها بالتعاون مع القطاع الخاص، التخفيف من حدة التغيرات المناخية وتيسير التحول الرقمي.

وكذلك مساعدة المواطنين على استئناف العمل والتنقل بين الوظائف إذا لزم الأمر من خلال تقديم الدعم المالي للتحفيز على توظيف العمالة وتطوير التدريب وطرح برامج لدعم الباحثين عن الوظائف. وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية للمساعدة في التصدي لعدم المساواة والفقر. وإعادة تصميم النظم الضريبية لدعم العدالة والتحفيز على حماية البيئة. وكذلك الحد من النفقات المهدرة وزيادة شفافية مبادرات الإنفاق وتحسين ممارسات الحوكمة لجني ثمار الدعم المالي بالكامل.

ولضمان قوة واستدامة التعافي الاقتصادي بعد السيطرة على وباء كورونا، أشار تقرير الصندوق إلى أهمية الانتباه لمشكلة الين العام وعجز الميزانية، لكن ليس الآن بينما الأزمة لا تزال قائمة، وتحتاج الاقتصادات إلى الدعم الحكومي، ولو بزيادة معدلات الاقتراض والدين العام.

 

الاندبندنت


 

مواضيع ذات صلة :