آراء وأقلام نُشر

الاقتصاد الحقيقي .. الواقع والحاجة !!

يعني الاقتصاد الحقيقي الانتقال من حالة الوهم إلى الحقيقة وحين ننتقل للحقيقة ونتخلص من الوهم نكون قد امتثلنا لتوجيهات الإله الذي نؤمن به ﴿ إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ ﴾ الفاتحة 5 .

الاقتصاد الحقيقي .. الواقع والحاجة !!

العالم اليوم يشهد تطوراً مادياً وفكرياً سريعاً شمل معظم جوانب الحياة وحظي عالم الاقتصاد والتجارة بمجال واسع من هذا التطور ومن نتاج ذلك ابتكار أدوات وصيغ وأساليب في العقود والمعاملات لم تكن معروفة من قبل ولا يمكن لهذه المسائل أن تخفى على علماء العصر، والنبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يقول (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )) وقوله صلوات الله عليه وعلى آله (( الحلال بينٌ والحرام بينٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه )) .

معاملاتنا المعاصرة كثيرة متعددة متجددة فيها الحلال البين والحرام البين وفيها المشتبه به وليست المشكلة في الحلال والحرام إذ هما واضحان للكثير وإنما المشكلة في الأمور المشتبهة التي لا يعلمها كثير من الناس وهي ما يوجب على علماء العصر دراستها وإيضاح الحكم الشرعي فيها .

من حقيق القول فإن القضاء على التعاملات الربوية والانتقال نحو الاقتصاد الإسلامي الحقيقي كان حلماً وما يزال يراود كل مسلم مستشعر في كل بقاع الأرض بعد أن مُحقت البركة ونزلت حرب الله علينا كما وعد { فأذنوا بحرب من الله ورسوله } البقرة 279 وربما صار الأمل قريب التحقق ففي رمضان من العام 1442هـ الموافق أبريل 2021م عقد البنك المركزي بصنعاء لقاء تشاورياً تحت شعار ( التحوُّلُ الشاملُ نحو اقتصاد حقيقي ) واستمرت فعاليات اللقاء 12 يوماً وخرج بنتائج وتوصيات.

شارك في اللقاء نخبةٌ من خبراءِ الاقتصاد والاختصاصيين والمهتمين في المجال المالي إضافة لدار الإفتاء التي كنت ممثلاً لها في فريق الاستثمار وهدف اللقاءُ إلى تشخيصِ مشاكلِ السياساتِ النقديةِ الحاليةِ وتقييمِ أدواتها ، ومعالجة الممارسات السلبية والتعاملات الربوية ، واقتراحِ الحلول والبدائل اللازمة والآليات الملائمة للتحول نحو الاقتصاد الحقيقي.

إن التحول نحو الاقتصاد الحقيقي يحتاج تكاتف الجميع وإرادة الجميع وعزم الجميع ومشاورة الجميع بدءاً بالقيادة ومروراً بالمؤسسات المالية ودار الإفتاء وفقهاء القانون وخبراء الاقتصاد وانتهاء بأصغر متعامل لدراسة الأمر من كل الجوانب بروية وأناة ومراجعة والاستفادة من تجارب الآخرين للخروج برؤية واضحة تضمن التحول الشامل بقرار وإرادة الجميع وقناعتهم بأن الأمر لله في ذلك وأن الإصرار عليه تعني حرب الله .

لقد عانى العالم من عدة أزمات مالية وعلى ضوء ذلك توجهت أنظار الباحثين وصناع القرار في العالم نحو الاقتصاد الإسلامي للاستفادة من مبادئه وقيمه لمعالجة الأزمات المالية والوقاية منها ووصل الأمر لاهتمام المؤسسات التعليمية الغربية بذلك.

الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد يعمل بمظلة دينية أي مرجعية من الكتاب والسنة الكريمة حيث أنه يتخذ من السلوك الإسلامي النابع من العقيدة والإنسانيات في الدين الإسلامي مرجعاً لعمله ، فالاقتصاد الإسلامي كنظام إدارة للأعمال التجارية والأنشطة الاقتصادية بشكل عام يضع الاعتبارات الدينية الإسلامية السمحة كأساس رئيسي بحيث يتم مراعاة مصلحة الجميع سواء المجتمع أو الأشخاص حيث أن الاقتصاد الإسلامي بدون مبالغة هو من أنجح الطرق أو الأدوات الأساسية الهامة لأداة الاقتصاد وهذا يرجع لتمتعه بضوابط تضمينية لحقوق الجميع وتعمل للحفاظ على التوازن المالي بالمجتمع وحمايته من انفراد طبقة أو مجموعة بالثروة على حساب الآخرين وهو نظام يتماشى مع جميع الفئات والأفراد في المجتمع حيث أنه يعمل على أن يكون مردود الأعمال التجارية عائد يستفيد منه الجميع في المجتمع وليس فرداً أو جماعة بعينها لأن الدين الإسلامي هو دين الإنسانيات والحب والتكافل المجتمعي في الأساس لأن الاقتصاد الإسلامي يضمن كافة أبعاد المصلحة الفردية للشخص وأبعاد المجتمع ككل كمجتمع مترابط متحد يصون ويحترم ويحمى الملكية الخاصة للأفراد وأيضاً الملكية العامة .

إنَّ ما سبق يدل على ضرورة تثقيف المسلم عمومًا والمؤسسات المالية والتجارية خصوصًا ورجال القرار الاقتصادي تثقيفًا جيداً من خلال إقامة دورات وبرامج دورية في الجانب الأخلاقي في الاقتصادي الإسلامي ؛ لكي يكونوا نماذج حية على أرض السوق والواقع في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى من خلال نوافذ الاقتصاد ، التي  تمُكّنُ بناء الأمة انطلاقًا من تعاليم دينها وشريعة ربها السمحة والالتزام بها ، فعالمنا ينتظر عودة شرع الله في البيع والشراء ، والبشرية تنتظر عودة الحكم بالقواعد الاقتصادية الصحيحة على مستوى الاقتصاد الكلي خصوصاً مع الإقبال العالمي على الاقتصاد الإسلامي باعتباره أكثر الأنظمة المالية أمناً وإنتاجية وسرعة في النمو ، بل هو الأكثر قدرة على التعامل مع مشكلات الاقتصاد العصري .

 

راجي عفو الله / الحسين بن أحمد السراجي

عضو رابطة علماء اليمن

مواضيع ذات صلة :