من أهم صفات هذا الدين أنه "دِينًا قِيَمًا" كما قال تعالى، بمعنى أنه مستقيم ثابت لا عوج فيه، فالقيم: مجموعة الخصائص الثابتة للشيء الذي يُقدر بها، ويُرغب فيه من أجلها. فقيمة الشيء بقدر القيم التي يحملها، وقيمة الشركة بقدر القيم المترسخة في سلوك وتصورات موظفيها وقبل ذلك في السياسات والإجراءات واللوائح والقوانين.
القيم تراكم فكري، فهي تصور شامل لمفهوم وسلوك الأفراد وثقافة المؤسسات، والتي بدورها تؤدي إلى تغيير في السلوك الفردي والجماعي. يؤكد علماء الاجتماع أن القيم مكمن الدوافع ووراء كل سلوك هادف، وهي الشرط المسبق الذي يحدد سلوك البشر، وينظم مقومات الفعل الإنساني. فالقيم: حافز عمل، ومبدأ إدراك، ومنطلق فهم.
في ظل سباق الشركات والمنظمات نحو إثبات هويتها ورسالتها، وبالتالي نشاطها وفعاليتها، أصبح البعد القيمي من أهم ركائز النجاح التي ترتكز عليها الخطط الاستراتيجية. فالإدارة بالقيم: منهج حديث يقوم على مساعدة المؤسسات في استثمار القيم الجوهرية التي يتفق حولها الجميع: المؤسسة، الموظف، الزبون، المساهم، بالشكل الذي يحقق أكبر فاعلية.
وقيم المؤسسة ليس لها معنى ولا قيمة ما لم يتم ترسيخها في المؤسسة والعاملين والمساهمين والزبائن. بحيث تكون هذه القيم الخط الناظم بين هذه الأطراف. فمن القيم مثلا: "الثقة"، بحيث تكون ثقة متبادلة بين المؤسسة وموظفيها ومساهميها وزبائنها، وبدون ذلك لا قيمة لها.
من القيم أيضا "حب الأخرين" كمبدأ يتجسد في السلوك اليومي للموظف والشركة والمساهم والزبون، فهي قيمة دينية إسلامية، وهي أيضا سمة أساسية للأمم المتحضرة، ينقل زيغمونت باومان صاحب كتاب "الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" عن سيغموند فرويد قوله: "إن الدعوة إلى أن تحب جارك مثلما تحب نفسك هي من المبادئ الأساسية للحياة المتحضرة". وقبل ذلك "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" والمعنى لا يؤمن أحدكم أيماناً كاملاً حتى يجسد هذه القيمة في واقع حياته الشخصية والمهنية. فما قيمة "حب الآخرين" إذا لم يكن خيط ناظم بين أطراف العلاقة: المؤسسة، الموظف، الزبون، المساهم؟
ووفقا لدراسة أعدها كينيث بلانكارد Ken Blanchard ومايكل أو كونور Michael O Connor في كتابيهما "الإدارة بالقيم"، فإن القاعدة الرئيسية التي تقوم عليها منظمة "الـ 500 شركة الأكثر نجاحا" هي الإدارة بالقيم Managing by Values فالإدارة بالقيم هي استراتيجية عملية وقد أثبتت قدرتها على:
• الاحتفاظ بولاء زبائنها لها.
• تحفيز العاملين على تحقيق نتائج متزايدة بشكل مستمر.
• زيادة أرباح مالكي الحصص والأسهم، وبالتالي مزيد من الانتماء والفخر والشعور بالمسؤولية للمالكين أو المساهمين.
• تشجيع البيئة المحيطة للاحتفاظ بعلاقاتها التجارية والعلاقات الأخرى للشركة.
القيم الإدارية وسيلة مناسبة لتقليل الاختلاس والرشوة والمحسوبية وتحقيق العدالة في التوظيف والتعيين والترقيات، ومنع الصراعات، ورفع الروح المعنوية بين العاملين وتحقيق رضا الموظفين. كما أن الإدارة بالقيم تعزز الدور الاجتماعي والمسئولية المجتمعية للمؤسسة تجاه المجتمع الذي تعمل فيه.
اليوم في ظل السوق المفتوحة غير المنضبطة، والرأسمالية المتوحشة، والتنافس غير الإيجابي في أحيان كثيرة، كل ذلك أدى إلى تغيير متسارع في أنظمة القيم لدى الشركات والأفراد. ومن هنا يتحتم على الشركات والمؤسسات الاهتمام بخلق القيم الإدارية المعززة للتنافس الإيجابي الخلاق.
