آراء وأقلام نُشر

الاقتصاد العُماني والاستدامة المالية

سياسات اقتصادية انتهجتها الحكومة العمانية لمعالجة تردي الوضع المالي والاقتصادي

راشد الشيذاني*

الاقتصاد العُماني والاستدامة المالية

تعرّض الاقتصاد العالمي لأزمة اقتصادية صعبة على مستوى جميع قطاعات الإنتاج والاستثمار مع تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) لم يشهد العالم مثلها منذ مطلع القرن الماضي، إذ أدت الإغلاقات المتكررة لمكافحة تفشي الفيروس إلى شلل اقتصادي في بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية أبرزها قطاعات السياحة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والنقل التي تكبّدت خسائر كبيرة بالإضافة إلى إنهاك القطاع الصحي الذي تطلّب دعمه ماليا للتعامل مع تطورات الجائحة، وتشير الإحصائيات إلى أن خسائر الاقتصاد العالمي قدّرت بنحو 9 تريليونات دولار بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في بداية تفشي الفيروس، إلا أن الخسائر تضاعفت كثيرا مع ظهور متحورات للمرض، تلك الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الخليجي المتضرر أصلا من الأزمة الاقتصادية والمالية منذ انخفاض أسعار النفط العالمية منتصف عام 2014 واستدعت اعتماد سياسات اقتصادية عاجلة لوقف تدهور الاقتصاد جراء الأزمتين الاقتصاديتين.

عملت كثير من دول العالم عموما ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصا على اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع الجائحة ومن بين تلك الحلول والمعالجات الضرورية والمناسبة خفض ميزانيات دول مجلس التعاون بنسب متفاوتة في عام 2020 للتعامل مع المتغيرات غير المتوقعة التي أدت إلى ضعف الاقتصاد العالمي، وانعكس سلبا على الاقتصاد العُماني مما أسهم في تضرر بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية لا سيما القطاع السياحي الذي تعرّض لخسائر فادحة جراء توقف التنقل بين دول العالم.

وكما هو معلوم أن اقتصاد سلطنة عُمان كان يعتمد حينها بنسبة تقدّر بنحو 80% على الإيرادات النفطية قبل الجائحة، وارتفاع بند المصروفات الجارية كالرواتب وغير الضرورية منها مثل الامتيازات والعلاوات بالإضافة إلى ضعف مساهمة القطاعات الاقتصادية الواعدة التي تعزز من خطط التنويع الاقتصادي لا سيما قطاع السياحة والتعدين في بند الإيرادات بالميزانية العامة للدولة بالرغم من الجهود المستمرة في تحقيق خطط التنويع الاقتصادي لاستدامة الوضع المالي في تلك الفترة، فقد تكللت تلك الإجراءات المالية المدعومة بسياسات اقتصادية تتناسب مع الظروف الاقتصادية الصعبة بالنجاح في تعزيز الاستدامة المالية مدعومة بسلسلة من الإجراءات والقرارات التي أسهمت في مراجعة بعض القوانين المرتبطة بتحسين بيئة الاستثمار وريادة الأعمال لرفد اقتصاد سلطنة عمان المتعافي من الأزمات الاقتصادية عصفت به خلال السنوات الماضية.

إن السياسات الاقتصادية الناجحة والفاعلة التي اتخذتها حكومة سلطنة عُمان للتعامل مع مختلف الأزمات الاقتصادية عموما والأزمة الاقتصادية الأخيرة خصوصا نتيجة تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) أدت إلى نتائج مثمرة وإيجابية تسهم في استدامة الوضع المالي للاقتصاد العُماني، إذ استطاعت سلطنة عمان تسديد نحو 3 مليارات ريال عُماني حتى نهاية مايو 2022م مما انعكس إيجابا على تصنيفها الائتماني من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية، وساهمت في استقرار سوق العمل والتشغيل عبر تسديد مستحقات القطاع الخاص بأكثر من مليار ريال عُماني مع توفير شواغر وظيفية للباحثين عن عمل في مختلف القطاعات الاقتصادية بالإضافة إلى استمرار الحكومة بدعم منظومة الحماية الاجتماعية للمواطنين عبر تخفيض 15% من فواتير الكهرباء لأشهر الصيف وأيضا تحديد سقف أعلى لتسعيرة الوقود الشهرية حتى نهاية العام الجاري 2022م.

فبالرغم من الأصوات التي تتعالى في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى لرفد بند المصروفات الجارية بمبالغ لا تعد أولوية قصوى في الوقت الحالي بالإضافة إلى كونها استهلاكية وغير ضرورية في ظل اهتمام الحكومة بمنظومة الحماية الاجتماعية ومراعاة الظروف المالية للمواطنين، أرى من المهم الاستمرار بتوجيه الفوائض المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط العالمية في التقليل من الدين العام للدولة عبر إعادة جدولة القروض ذات الفوائد المرتفعة، ورفد بند الإنفاق على المشروعات الاستثمارية بالإضافة إلى الإسراع في تطبيق ضريبة الدخل على أصحاب الدخول المرتفعة؛ كونها تعد مصدرا ماليا مستداما بعيدا على تذبذب أسعار النفط العالمية ورافدا لمنظومة الحماية الاجتماعية.

إن المتتبع للسياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة لمعالجة تردي الوضع المالي والاقتصادي من بينها وقف الهدر المالي، جراء صرف مبالغ كبيرة على العلاوات والامتيازات التي لا تعود على الاقتصاد بأي قيمة مضافة، بالإضافة إلى تخفيض بند الرواتب عبر تحفيز القطاع الخاص ومراجعة القوانين التي تحد من استقرار العاملين العُمانيين في القطاع أثمرت عن تحقيق فوائض مالية مدعومة بالارتفاع الكبير في أسعار النفط جراء الأحداث التي تشهدها بعض دول العالم حديثا، إذ مكّنت تلك السياسات في قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات تعد أولوية لاستدامة الوضع المالي.

نستطيع القول إن الاقتصاد العُماني يخطو نحو الازدهار وصولا إلى تحقيق الاستدامة المالية شريطة الاستمرار على خططنا ورغبتنا في تقليل الدين العام للدولة عبر وقف المصروفات الجارية غير الضرورية، بالإضافة إلى رفع مساهمة قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الاقتصادية الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر موقع عمان

* باحث اقتصادي عُماني


 

مواضيع ذات صلة :