آراء وأقلام نُشر

ما قبل الحديث عن الشراكة

عبدالقوي العديني

الشراكة بين القطاعين العام والخاص، خيار جيد ومتاح للعمل به من قبل الحكومات والمؤسسات

ما قبل الحديث عن الشراكة

يوم 7 يونيو (حزيران) 2022 نُظمت فعالية في مدينة عدن عن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص؛ وخرج اللقاء بتوصيات وأهداف أعادت تكرار الدعوة للعمل على "حصر الصعوبات والتحديات التي تواجه القطاعات الاقتصادية"، وهو الحديث الذي مللنا منه لكثرة ما تردد، ولأهمية الظروف والمستجدات التي توجب علينا التفكير بشكل مختلف ومتطور ومواكب للمتغيرات التي يشهدها البلد.

الحديث عن تحسين بيئة الأعمال وتعزيز مشاركة القطاع الخاص ممثلًا بالغرف التجارية في مشاريع القوانين والقرارات ووضع السياسات والبرامج الاقتصادية، لم يأتِ بشيء حتى الآن، رغم حديثنا طوال نصف قرن مضى تقريبًا.

لسنا بحاجة إلى صياغة تصور هزيل يلخص مطالب صغيرة لرعاية "مصالح القطاع الخاص"، رؤية قاصرة لا يتشرف القطاع الخاص بها، ولا تخدمه، ولا تحمل مضامين وجيهة وقضايا كبيرة؛ القطاع الخاص دوره أكبر في الوقت الراهن، فقد أثبت أنه صمام أمان المجتمع، ولم يتخلَّ عن دوره في تأمين الدولة والمجتمع في مجال الغذاء وفرص العمل، وحافظ على الحد الأدنى للحياة، في الوقت الذي تواجه الدولة والحكومة تحديات كبيرة بسبب الحرب. 

الشراكة بين القطاعين العام والخاص، خيار جيد ومتاح للعمل به من قبل الحكومات والمؤسسات، وهي إحدى الأدوات المهمة التي تسهم بشكل إيجابي ونوعي وكبير في التنمية، بدءًا بتأمين المجتمع بالخدمات الأساسية، وصولًا إلى إنشاء وتطوير وإدارة البنية التحتية والمرافق العامة وتحسين كفاءتها؛ إذ أن القطاع الخاص يتسم بسرعة اتخاذ القرار، ممّا يميزه عن "البيروقراطية" في القطاع العام ، وهي أبرز القيود التي أثرت على فاعلية وكفاءة الجهاز الحكومي.

غير أن مفهوم الشراكة يستلزم أن نضع نصب أعيننا، صيغة ومشاريع ورؤية واضحة، وبالذات في ظل الحروب، كما هو الحال في بلادنا، يتعين الوقوف مليًا أمام البيئة المحيطة، والعوامل المؤثرة على عملية التنفيذ، ومنها الأمان السياسي والأمني والاقتصادي.

ينبغي أن يرتفع سقف مطالب القطاع الخاص، وأن يتقدم برؤية طموحة ووطنية عامة، لتأمين البلد والمواطنين، وهذا يبدأ من العمل تحت كتلة واحدة ترفع صوت مجتمع الأعمال ومطالبه ودوره المحوري.  

القطاع الخاص من هذا المجتمع يقوى بقوة الدولة ويضعف بضعفها.. يقوى ويزدهر بالقوة الشرائية وبارتفاع دخل الفرد، ويأمن بالنظام والقانون وبدولة المؤسسات.. وحتى بالإطار العام المنظم للعلاقة مع السلطات المحلية في ظل الحروب والصراعات.

يجب أن يتعزز الحديث للحد من تضارب المصالح في عقود الشراكة، وإبعاد الأثرياء الجدد الذين أنتجتهم الحرب، والذين يملكون مع القوى المتنفذة والمستفيدة من الحرب مصالح خاصة ومشتركة في عقود الشراكة، والدعوة لقوننة إشراك المجتمع المدني، ممثلًا بالغرف التجارية، في عملية صناعة القرار والانتقال من الاستشارات إلى الشراكة قبل إقرار القوانين والتشريعات.

ولعل من الأولويات المهمة مطالبة الحكومة بالعمل على إعادة الثقة للمستثمرين وإصلاح السلطة القضائية والمطالبة بإنشاء الهيئات المشتركة بين القطاعين العام والخاص، والتي من شأنها أن تسهم في توضيح الأدوار والمسؤوليات لجميع المكونات والمرافق التي قد تكون معنية بالشراكة منعًا للازدواجية في العمل، وتمهيدًا لإلغاء المجالس والصناديق؛ قد لا يتفق معي بهذه النقطة الكثير، لكن الصناديق واللجان بنظري هي أكبر كارثة حلت بهذه الدولة، باستثناء الصندوق الاجتماعي للتنمية، الذي حقق قصص نجاح معلنة، ولا نعلم عن السلبيات التي رافقت هذا الصندوق شيئ بسبب انعدام الشفافية؛ وغياب دور الإعلام المحايد وتطبيق الحكومة الإلكترونية.

الشراكة بين القطاع العام والخاص ليست بالجديدة؛ لطالما تردد هذا المفهوم في الخطاب العام للحكومات، وطالب به القطاع الخاص، لكنه ظل خطابًا استعراضيًا في وسائل الإعلام، وعلى الواقع العملي غير ملموس حتى الآن، بسبب الكثير من التعقيدات والسياسات الرسمية المضادة، وانعدام البيئة المعرفية والقانونية.

من تلك التحديات مازال المجتمع يفتقر للوعي المعرفي بأن من محركات التنمية أن تقوم الدولة بإسناد الكثير من الخدمات للقطاع الخاص، خصوصًا تلك التي عجزت عن تأمينها، مثل التعليم والاتصالات والأمن والزراعة وحتى الكهرباء.

كذلك فإن الدولة، وبسبب الزلازل السياسية العنيفة التي تتعرض لها من السبعينيات من القرن الماضي، تفتقد أبسط مقومات التنظيم والإدارة، منها غياب الهيكلة والقوانين المنظمة والمحفزة للاستثمارات في المجالات الحيوية، ومنها على سبيل المثال قطاع النفط والمعادن الذي يفتقر حتى هذه اللحظة لقانون.

 ورغم أن الحكومة عقدت الكثير من الندوات واللقاءات والمباحثات الداخلية والخارجية مع القطاع الخاص ، فإنها في ذات الوقت تفتقد الصيغة التي تمكنها من أن تعهد إلى القطاع الخاص بمهام كان يعتبر تنفيذها من مسؤولياتها، ولكن دون إلغاء الدور الرئيسي للدولة.

ما يحدث الآن أن منظمات المجتمع أسهمت بإرباك الحياة الاقتصادية، وجعلت من البلد شعبًا متسولًا من خلال آلاف المنظمات المحلية ومئات الجهات المانحة خارجيًا، ونتائجها تقديم الفتات الذي جعل من المجتمع مجتمعًا متسولا يتسابق على كشوفات المنح والسلل والأنشطة الهشة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني.

نحن لا ننكر الدور الذي ينبغي أن تضطلع به المنظمات، ولكن ينبغي أن يكون محدودًا لمساندة جهود القطاعين العام والخاص، لا أن يتقدم لصناعة التغيير، وتكون النتائج مضاعفة التحديات وتجميد طاقة المجتمع الخلاقة التي تثب بالبلد إلى المستقبل المنشود، لا تجميده ومضاعفة مشاكله.

وحتى لا يتم الخلط بين الحديث عن الدور العشوائي الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني؛ وإسهامها في إرباك المشهد وبين ضرورة ومتطلبات الشراكة المجتمعية، نقول إنه يجب أولًا العمل على إقامة شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، من خلال إنشاء هيئة متخصصة تعمل على ضبط الإيقاع بين الطرفين، ليعملا كطرف واحد، وأن يكون ذلك على مستوى السلطات المحلية، وبما يتماشى مع المعترك الراهن، وحتى لا يتعثر قيام شراكة ناجحة بسبب الحرب، على الغرف التجارية أن تعمل مع الشركاء الدوليين الفاعلين على إقناع طرفي الحرب باعتماد صيغة شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، تمكن السلطات المحلية من تكليف القطاع الخاص بإحداث مشاريع منشآت أو تجهيزات أو بنى تحتية وان يقدم لها كافة التسهيلات والضمانات والعقود.

الخلاصة: يتعين على الحكومة والقطاع الخاص العمل معًا على تأسيس ثقة مشتركة ببعضهما أولًا، وابتكار حلول ملائمة للخروج بالبلد ومجتمع الأعمال من المخاطر المحدقة؛ وتكثيف التحركات الخارجية لإيجاد فرص جديدة لتعزيز وتحريك متطلبات التنمية.

من المؤكد أن مثل هذه الجهود المأمولة من الحكومة ستكون محفزًا وطريقًا جديدًا لتحقيق متطلبات استراتيجية أخرى، مثل التنويع الاقتصادي والاستثمار الأجنبي المباشر، وتشجيع ريادة الأعمال والصناعة المحلية، والسعي لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يتمتع بالقدرة على مواجهة التقلبات.

من كل ما سبق يستلزم على الحكومة  والسلطات المحلية الاستفادة من خبرات وكفاءة وابتكار القطاع الخاص محليًا وعالميًا، للدخول في عقود شراكة مع القطاع الخاص.

وقبل الحديث عن الشراكة مع القطاع العام ينبغي أولا العمل على تأهيل القطاع الخاص والارتقاء بالعمل المؤسسي فيه وبمستوى طموحه وإيجاد رؤية ناضجة ورافعة قوية للشراكة مع القطاع العام.

وبدورنا في مجلة الاستثمار فقد حرصنا على تقديم رؤية جديدة من شأنها أن تساعد حكومة الشرعية وحكومة صنعاء في رسم خارطة طريق لأهم الأولويات التي تتطلب مسارا سريعا لتحسين الظروف المعيشية وتخفيف معاناة المجتمع بالشراكة مع القطاع الخاص لإنجاز مشاريع حقيقة على أرض الواقع.

وفي العدد ملفات صحفية أعدها صحفيون محترفون كتقصٍّ وبحث في مجال الغذاء .. ومقالات اكاديمية وتقارير دقيقة حول التحركات المكثفة للبنك المركزي اليمني لمعالجة الانشطار النقدي وإصلاح السياسات المالية والنقدية والتي باستمرارها يستمر الصراع، ويتضاعف العبء على المواطنين، وتتفاقم معاناتهم وأوضاعهم المعيشية.

 

مجلة الاستثمار: يوليو 2022


 

مواضيع ذات صلة :