آراء وأقلام نُشر

جبل الدين العام .. مواجهة حتمية قادمة

الدين العام العالمي وصل لمرحلة القلق وزاد من حدة القلق أزمة أوكرانيا

جبل الدين العام .. مواجهة حتمية قادمة

اقتصادات العالم بحاجة ماسّة لظهور إشارات قوية تطمئنها حول أمنها وطاقتها وغذائها، وربما الإشارة الأهم هي أن جوّ التضخم الذي تعيشه قد بلغ ذروته وفي طريقه للهبوط للمعدلات الطبيعية قبل نهاية هذا العام، وإلا فإن كثيرا من قصور الجنان الاقتصادية فيها معرضة لخطر التساقط تباعا بسبب وصول تراكمات الديون العامة لمستويات لا تحتمل.

بدأت الدول الغنية بالفعل رحلة ترنح أداء أسواق الأسهم فيها وارتفاع في ضرائب الأرباح وتكاليف المعيشة، ومن جانب دول أخرى مدِينة فهي تعيش ضائقة سداد ديون خانقة حاليا، بعد أن بلغ مجمل الدين العالمي 188 تريليون دولار في 2018 حسب إفادة صندوق النقد الدولي، ولتأتي جائحة كورونا في 2020 وترفع الرقم إلى 226 تريليون دولار، ثم الأزمة الأوكرانية في 2022 لترفع من احتمالية مخاطر الوصول إلى مستويات غير مسبوقة من الاقتراض العام.

أتى التضخم وارتفاع أسعار السلع الحالي وليصل لمستويات غير مسبوقة مما جعل البنوك المركزية تتحرك نحو زيادة أسعار الفائدة في محاولة لاحتواء الموقف، ولكن هذا التوجه المتأخر والذي يظهر حتى الآن كترويضي أكثر منه علاجيا، خلفه ارتفاع معدلات فائدة سداد دورات القروض، مما سينعكس سلبا ليس فقط على الحكومات ولكن على الشركات، بل وحتى الأسر داخل مجتمعات دول العالم المرهقة بالديون مما يجعل التوازن ما بين التزامات هذه الدول بالتسديد وإسناد مجتمعاتها ستكون مهمة شبه مستحيلة.

حسب صندوق النقد الدولي، هناك ما لا يقل عن 100 دولة ذات اقتصادات نامية وناشئة – وهو عدد ليس بالهيِّـن – مطالبة بالوفاء بسداد مدفوعات ديونها، مما سيضطرهم قسرا لخفض الإنفاق الداخلي مثلا على الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، لأن في حال ما إذا تخلفت عن سداد ديونها فقد تكون النتيجة هي خلق حالة ذعر في الأسواق المالية ومن ثم تسارع التباطؤ الاقتصادي العالمي.

أما على مستوى القطاعات الخاص ومنشآتها في هذه الدول وأيضا الدول المتقدمة، فعدم الوفاء بسداد الدين يعني عدم توفر سيولة أمام هذه الشركات لتعزيز استثماراتها وأعمال توسعها، وهذا الوضع يمكن أن يساهم في تعريض الكثير من الشركات لخطر الإفلاس مع مضي الوقت الذي لن يكون طويلا، وكذلك لأفراد المجتمعات، فإن ارتفاع الديون وعدم القدرة على السداد سينعكس سلبا على معيشتها، والطبقات من ذوي الدخل المتوسط الأدنى وما دونه ستكون الأكثر عرضة لخطر لا يحمد عقباه.

أزمة الديون العامة ذات المنحنى التراكمي المتصاعد تعدت اليوم مرحلة القلق ولتدخل مرحلة الذعر (الصامت حتى الآن) بسبب عدم القدرة على الوفاء بالتزامات السداد منذ 2018 ومرورا بعام 2020 لتتعمق، فوصولا إلى 2022 حيث التضخم المتسارع والأحداث الجيوسياسية، مما يرشح احتمالية أن العالم على موعد مع مواجهة جبل الدين العام وقبل عام 2024، وستكون مواجهة شرسة من جانب بسبب الجائحة التي مازالت متواجدة، والأزمة الأوكرانية التي لا يعرف إلى متى ستتمدد وعلى ماذا ستنتهي، وأثرها على أمن الطاقة الأوروبي والغذاء العالمي، ومن جانب آخر ستكون قاسية لأنها ستخطف من المدِين حتى قدرته على البيع بلا ثمن، فالدائن سيكون قد شرَّع لنفسه أساليب سداد الديون بطريقته الخاصة.

 

*د. جمال عبدالرحمن العقاد- العربية نت

مواضيع ذات صلة :